بيلسان

............

09 July, 2006

طلب للشيخ الصالح - لا أحد ينتظر رداً منا

عزت القمحاوي- القدس العربي

الجماعة شحتت لنا الفرجة علي نهائيات كأس العالم بعد مفاوضات استمرت أسبوعين مع شركة تليفزيون العرب تكللت بالنجاح.
هكذا بشرت الصحف المصرية مواطنيها أمس الجمعة في الصفحات الأولي. الخبر جاء مصحوباً بصورة وزير الإعلام الذي لم يحمل فقط هذه الهبة العزيزة، بل حمل معها أيضاً تحيات الشيخ صالح كامل واحتراماته للشعب المصري.
ولو كان في القلب مكان لفرح لفرحنا جداً جداً بخبر بث مبارة الختام بين فرنسا وإيطاليا، ومباراة تحديد المركزين الثالث والرابع بين البرتغال وألمانيا. وربما كنا فرحنا أكثر بالصلح بين الشعب المصري والشيخ صالح كامل، بعد سوءء تفاهم بين الطرفين اتهم فيه الشيخُ الشعبَ بالسرقة، وفك شيفرة قنواته المدفوعة عنوة، رغم أنه هو الذي سبق بالتشفير، وحرم الشعب المصري من واحدة من نجماته المتميزات واتخذها زوجة، ولايزال الصغار علي الأقل يفتقدون موهبة الفنانة الشاملة صفاء أبو السعود.
ومع ذلك كان من الواضح أن الغلبة للرجل المسلح بأمواله وبفتوي واعظ مصري حرم سرقة الشيفرة التي كانت تقريباً الحلال الوحيد الباقي أمام الشعب. ولم يكن هناك بالمقابل سوي رد محدود من الشعب المكسور الجناح ببعض من تلك الأدعية المحفوظة عن ظهر قلب التي يدعو بها المصريون لنظامهم، لكن الله لم يستجب لضراعات الجد لكي يستجيب لضراعات اللعب، ففي كليهما العبرة بالعمل لا بالدعاء.والآن، لم يعد الدعاء في محله بعد هذه الاستجابة الصالحة من الرجل الذي يملك مفاتيح متعة المونديال، وهذا يشجعنا علي طلب مكرمة أخري من الحكومة المصرية والشيخ، إذا كان للمسؤولين المصريين حقا هذه الاتصالات القوية مع الرجل.
وإن كان حقاً يعز الشعب المصري كما نقل عنه وزير الإعلام فإننا نتمني عليهم أن يتمنوا عليه أن يُشفّر قنوات الحرب، وهذا لن يعذب عليه، فمن يستطيع فك شيفرة يمكنه أيضاً عقدها. وإذا كان الشيخ قد شفّر قنوات الفن واللعب، فلماذا لايشفر الفضائيات الإخبارية تلك التي لايشاهدها المرء دقيقة إلا ويسمم بدنه بقية العام؟!هذه الرغبة الشعبية لاتحقق فقط الفائدة للشعب المصري، بل إن فائدتها المباشرة والعملية جداً تصب في مصلحة النظام الذي يستطيع في تلك الحالة أن يبث ما يريد من أخبار علي قنواته الأرضية واسعة الانتشار، ولديها من المصداقية ما يؤهلها لأن تبشر المصريين بانتصارات الفلسطينيين الذين دخلوا أخيراً تل أبيب ويمشطونها بحثاً عن بقية مجلس وزرائها!
والمصداقية لن تنبع من صدق تلك القنوات، بل من حاجة الناس ورغبتهم في الانخداع التي باتت اليوم أقوي من أي يوم مضي؛ فالشفافية لم تجلب سوي بؤس معرفة العاجزين.الخديعة أجمل وأقل إيلاماً من الإحساس المهين بالعجز.كل شاشة تليفزيون تحولت إلي مرآة يري فيها المشاهد بؤسه، مجاناً فما الفائدة إن كانت المعرفة لاتفيد؟الأطفال الأبرياء يسألون آباءهم: لماذا لايقف الحكام العرب مع الفلسطينيين؟!
فكيف يفهم الأطفال إن أجابهم الآباء: وهل وقفوا مع شعوبهم أولاً؟!كدت والله أفرح بمنحة الشيفرة المباركة وأنتظر الفرجة علي النهائي، لولا أن يدي كانت أقرب إلي التحول من الصحيفة إلي قناة الجزيرة. وكانت أخبار النشرة بالترتيب:
استمرار الاقتحام الإسرائيلي في غزة وارتفاع عدد شهداء نهاية الأسبوع إلي 24، ثم استمرار كوريا في تجربة إطلاق الصواريخ وتهديداتها القوية بهزيمة المعترض حتي لو كان الولايات المتحدة!وثالثاً كان خبر عن لقاءات مسؤول الملف النووي الإيراني علي لاريجاني في أوروبا، وتأكيداته علي أن بلاده لن تعطي رداً قريباً علي أوروبا التي تتحرق شوقاً للرد الإيراني علي حوافزها. لماذا نحن يارب دوناً عن الأمم نطحن دون أن ينتظر أحد ردنا؟! لم تبق نشرة الجزيرة في القلب مكاناً لفرح، وزاد الصديق أمجد ناصر وغطي، رغم أنني رجوته مراراً ألا يسبقني في الجمعة بكتابة مُرة فيثير أحزاني.
لكنه فعلها أمس؛ إذ كتب في هذا المطرح: فليكف الفلسطينيون عن توريطنا في مشاكلهم . ولكنني مع ذلك أشكره لأنه فتح أمامي طاقة لهذا الاقتراح والرجاء العبقري (حقاً أليس عبقرياً؟!). لماذا فعلاً لاتلغي القنوات الإخبارية وتقارير وكالات الأنباء، لتقبل علينا الأخبار تتهادي مع الركبان، فتكون قد بردت، بدلاً من سخونة الدم المبهظة؟ليس من العدل أن نري البخار يتصاعد من الدم في لحظة سفكه مباشرة دون أن تكون لدينا القدرة علي رد الأذي.التعتيم هو الحل.. فأرنا جمالك أيتها السماوات المغلقة. وأغثنا أيها الشيخ الجليل مُشفر المتعة شفر لنا الآلام.