لمّ الشمل
سهيل كيوان
كاتب من فلسطين
كاتب من فلسطين
ولا تحرميش حبيبين مِ الحب
في مطلع الشباب كنت أرافق ابن خالتي لبيع الفاكهة في القري المجاورة في سيارة تجارية صغيرة ..التمر.. الموز .. البرتقال..المندلينا..العنب.. التفاح!
وكان يلح أن أرافقه الي دير الأسد القرية التي تحد قريتنا من الشرق، وبعد جولة من البيع وعلي بعد عشرات الأمتار من منزل جبلي مسيج بالدوالي والخوخ الكلسي يطلق من مكبر الصوت المثبت فوق السيارة مقطعا من أغنية (حكاية غرامي) لفريد الاطرش.. متفرقيش قلوب بتحب، ولا تحرميش حبيبين م الحب..يا تصبريني علي الحرمان..يا ترجعي لي ليالي زمان الخ! يعيدها ويكررها حتي يطل شبح صبية نحيلة شاحبة من بعيد، ثم تعود لتختفي، فيرتاح ابن خالتي ويتهلل وجهه فهما في وصال الآن فيعيد ويكرر المقطع الباكي!
ولكن ليس في كل مرة تسلم الجرّة، ففي إحدي المرات أطل رجل عريض المنكبين (والشاربين).. ليقول..ألا تنقلعان من هذه الأرض قبل أن أحطم السيارة علي رأسيكما! فانقلعنا بسرعة قبل البهدلة الوشيكة، وأقسمت أن لا أعود معه الي دير الأسد، ولكننا عدنا وبحق، فقد تقدم ابن خالتي لخطبتها ولكن والدها رفض بعناد غريب وغير مبرر، ولم يُبق ابن خالتي جاهات وواسطات إلا وأرسلها ولكن والدها ولسبب غامض كان يرفض بتطرف بل وأذهلنا عندما بلغنا قوله (..حتي لو مات عندي جحش فلن أرضي بدفنه في أرض مجد كروم...)
لكن أمام عناد العاشقين تراجع عن موقفه الإقليمي العنصري فتزوجا وبدآ بانجاب البنات، نعم انجبا البنات فقط ، وبرمشة عين صرن خمس ست سبع تسع بنات وابن خالتي مصرّ علي أنه يريد ابنا ذكرا وليا للعهد ولكن دون جدوي، وصرنا نسمع بين فترة وأخري أنه يفكر بالزواج بأخري ولكنه متردد احتراما لحبّه القديم، وكان عندما يتعب يأتي إليّ فأنصحه بالقناعة بما قسم الله، ثم من يضمن له إذا تزوج بأخري أن تنجب ذكرا، ثم ان بناته جميلات لحسن الحظ وتزوج بعضهن وأنجبن له احفادا!
ثم أبدأ بالدندنة علي مسمعه... (متفرقيش قلوب بتحب...ولا تحرميش حبيبين م الحب).. فيضحك ويقول مرتاحا...أنت يا ابن خالتي الوحيد الذي أرتاح إليه...
في السنوات الأربع الأخيرة صار يكثر من السفر الي جمهورية مصر العربية بعدما صار صاحب حسبة كبيرة لتسويق الخضار، وفي مثل قريتنا لا تختفي بصقة تحت حجر ، فقد تناقل الناس خبرا عاجلا يفيد بأنه تزوج فتاة مصرية، وأكثر من هذا فقد صارت تفاصيل قصة زواجه الجديد موزعة بأكثر من رواية، عن أسرتها وأشقائها وأعمالهم وكيف تعرف عليها خلال حفل زفاف لصديق مصري، وفي الرواية أنه تزوج من مكان بعيد كي لا يمس مشاعر زوجته أم بناته اللواتي صرن إحدي عشرة، طبعا حظيت زوجته الأولي بتضامن الجميع، ولكنها قالت..مرحبا تضامن.. وهددت بأنه إذا أحضر زوجته الجديدة الي البيت فستطلب الطلاق!
ولم تمض أشهر حتي قدمت لي والدتي حبة بقلاوة..حلاوة محمد.. ابن ابن خالتي من زوجته المصرية التي اقتني لها شقة في القاهرة، ودار لغط كثير هل سيحضرها وابنها الي فلسطين أم أنه سيبقي موزعا بين الناصرة والقاهرة!
وتبين أن قصة لم الشمل ليست بهذه السهولة، بل ان هذه ورطة الكثيرين من الفلسطينيين والمصريين والأردنيين رغم اتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة، وأن القضية أكبر من العواطف وإنجاب الذكور، فحكومة إسرائيل تحرص علي عدم لم شمل الأسر العربية داخل حدودها، وفي يوم الاربعاء الأخير عدلت الكنيست قانون المواطنة الذي يحدد الأمكنة التي يسمح للعربي أن يهوي فيها وأن يعشق!فقررت الكنيست أن علي المواطن العربي ترك قلبه عند أول حاجز عسكري مع الضفة الغربية أو قطاع غزة، وأن دولة اسرائيل لن ترضي عن حب مع رجال ونساء من قبائل محور الشر، وعلي مواطنيها العرب أن يلتزموا بشروط اللجنة الرباعية وأن يأخذوا بعين الاعتبار الفرن الذري في بوشهر وأن يتابعوا خطاب الرئيس الأمريكي الأسبوعي لتحديد اتجاهات القلب وأن ينتظروا رد الحكومة علي نتائج القمم والمبادرات العربية! طبعا وأن لا ينسوا موقف الاتحاد الأوروبي والحزب الديمقراطي الكردستاني من حكومة المالكي والإخوان والبعث في سورية والمعادلة الطائفية في لبنان قبل التورط في مغامرة عاطفية لا تحمد عقباها، مثل هذه المشاكل لا تواجه اليهود وبإمكان أي منهم أن يلحق الحب حيث تسير مراكبه حتي ولو وصلت الي مغاور تورا بورا....الجميل في قانون المواطنة الجديد أنه أعادني الي ...التمر والموز ...والتفاح وصوت فريد وهو يجوح وينوح ويلطم....متفرقيش قلوب بتحب.. ولا تحرميش حبيبين م الحب ..يا تصبريني علي الحرمان .. يا ترجعي لي ليالي زمان..والحديث إلك يا إسرئيل..حتروحي فين يا صهيونية...
0 Comments:
Post a Comment
<< Home