هل هناك ما يجمع بين نعوم تشومسكي وجورج غالاوي وجورج اسحق؟نعم؛ فثلاثتهم، علي ما بينهم من اختلاف في الاختصاص وتباعد في المكان، نقاد متخصصون في كشف الروايات الرديئة المتشابهة التي يكتبها روائيون غير محترفين.
والرواية في ابسط تعريفاتها هي قصة متخيلة تشبه الواقع، لكنها ليست الواقع. ولكن داخل هذا التعريف البسيط شرط، وهو القدرة علي الإيهام بواقعية الأحداث الخيالية ومعقوليتها مهما كانت درجة الشطط والكذب بها، حتي أن الرجل يمكن أن يتحول فيها إلي أنف أو صرصار، ولانستغرب ذلك، بل نتحسس أجسادنا لنتأكد أننا لم ندخل الرواية وننمسخ مثل بطلها!
ولكن هذه القدرة علي تسويق الكذب لاتمتلكها إلا السلالة النادرة من الروائيين أمثال غوغول وكافكا وماركيز، ممن يمتلكون من الموهبة ما يمنح رواياتهم واقعها الخاص المستقل عن العالم الخارجي، بل والمستقل عن كاتبها، فتبدو الأحداث كما لو كانت واقعية تتوالد ذاتياً دون أن يكون هناك من يكتبها.
عذراً، فلم تكن الكتابة عن الروايات الجيدة هدفي عندما بدأت هذه الزاوية، بل النقاد النابهين الذين سميت ثلاثة منهم، بينما تمتد القائمة لتشمل العديد ممن ألزموا أنفسهم بمسؤولية فضح الروايات الرديئة التي تطمح إلي التشبه بالواقع والإيهام به دون أن يبلغ روائيوها الفاشلون هذا الحلم، فتبدو الحكايات مفككة وغير ممتعة، وغير مقنعة إلا لكتابها المثيرين للرثاء.الناقد الأمريكي النابه نعوم تشومسكي نجح في فضح منتجي الروايات السيئة في بلاده، من كارتر وريغان إلي بوش الإبن، وعملائهم الصهاينة، متتبعاً جرائمهم من فلسطين إلي بيروت إلي طرابلس الغرب إلي نيكاراغوا فمحطة العراق الأخيرة مروراً بيوغسلافيا المغدورة وأفغانستان.
ولم يسلم عالم اللغويات النابه من التحرشات الفكرية والتهميش لقاء فضحه لأباطرة الحرب، لكن الإيذاء الواقع عليه لم يصل إلي حد الإكراهات التي يتعرض لها نائب مجلس العموم البريطاني جورج غالاوي، الذي يشارك تشومسكي التزامه الأخلاقي بفضح من يحاولون إقناع العالم بأخلاقية الحرب في العراق، وشرعية جلب ديمقراطية المباغتة إلي العراقيين مروراً علي جثثهم. ولولا تشومسكي وغالاوي وغيرهما من الضمائر ذوات القامات الطويلة لاستقرت الرواية الرديئة صامدة بكل ما تتضمنه من إهانة للحقيقة، ومن عدوان علي حيوات الضحايا القراء.
والغريب أن الكاتبين محدودي الموهبة؛ بوش وبلير، اللذين اختارا ديمقراطية الكي بالنار للعراق هما من يحمي ويحفز السكون وانعدام الحركة وانعدام الأمل في مصر، من خلال نص محلي رديء يحمل العنوان المخادع ديمقراطية الخطوة خطوة دون أن يدلنا أحد علي حجم الخطوة في كل مرة، والزمن المسموح به بين خطوة وخطوة، و من الذي سيحددها، وهل سيخطوها معنا أم يقف في مكانه؟!
وقد أصبح المهندس جورج اسحق أهم ناقد للنص المحلي الذي يريد أن يحبس الواقع المصري بين قوسي التوريث والإخوان، وما يقف ضمناً بينهما من فزَّاعات الفتنة الطائفية.
هذا المسيحي الذي يقود حركة التغيير المدنية كفاية يسقط كل شرعية تسعي إليها الرواية المحلية الرديئة. ويعيد مع الحركة اللحمة إلي التاريخ المصري مذكراً بصفحات ناصعة من الممارسة الوطنية، تجلت فيها الحقيقة التي يحاول الاستبداد السياسي والديني حجبها، وهي أن الدين شأن للفرد مع ربه، يختلف عن الشأن الوطني الذي لافضل فيه لمسلم علي قبطي إلا بما أعطي لصالح الأرض التي لم يعرف غيرها، ولا يرضي بغيرها بديلا.الشكل الذي ولدت به كفاية كان كافياً وحده لإرباك حسابات الاستبداد، فالحركة تطمح إلي تمثيل كل المصريين، بفضل تكوينها الذي يضم طيفاً سياسياً واسعاً علمانياً في غالبيته. وهي بهذا التكوين تفضح الرواية التي تعمل السلطة علي تدعيمها، وتسويقها دولياً، وهي أن القوة الوحيدة البديلة للفساد الحالي هي الإخوان.
وعلي مواطني مصر أن يختاروا بين الموت غدراً في عبّارات المحتكرين ومسارح وقطارات الفاسدين وبين الذبح علي الطريقة الشرعية، وعلي سادة العالم الذين يكتبون أعمار وأرزاق الأنظمة أن يتأملوا حالهم مع إيران قبل أن ينفضوا أيديهم من المافيا المستأنسة!
ولكي تمضي الرواية الرديئة في طريقها المرسوم تعامل كفاية كما لو كانت غير موجودة، ويلقي أعضاؤها السحل وهتك العرض والتعذيب في المعتقلات، كما يتعرض منسقها العام جورج اسحق إلي التشويه، مثل رفيقيه تشومسكي وغالاوي. علماً بأن تشومسكي أسعد حظاً من الجورجين (غالاوي واسحق) وليس ذلك لأن كاتب الرواية الأمريكية أكثر ليبرالية من رفيقيه الإنكليزي والمصري، بل لأن طبيعة عمل تشومسكي الفكرية الهادئة أقل تصادماً من العمل السياسي المباشر لغالاوي وإسحق، لذلك فإن تهم الرجلين تتشابه إلي حد التطابق؛ فغالاوي عميل صدام حسين ويتلقي عشرات الآلاف من الدولارات من العراق (لأن البعبع في انكلترا هو العراق) وجورج اسحق يحضر في تركيا مؤتمراً يشارك فيه إسرائيليون ويتقاضي مصروف جيب مئة وستين دولاراً في اليوم يا للهول (البعبع مختلف والرقم متواضع حسب دخول المصريين). ورغم أن كراهية الكيان الصهيوني تجري من المصريين مجري الدم، إلا أن من يحاولون تشويه جورج اسحق بادعاء مقابلته لإسرائيليين في مؤتمر بتركيا لم ينتبهوا إلي أن أهم أولويات المصريين الآن هي الوصول عبر ديمقراطية الـ تاتا تاتا إلي اتفاق سلام مع الفساد الذي يحصد الأرواح ويبدد مستقبل البلاد بقساوة قلب لم يعاينها المصريون إلا علي خط النار مع الصهاينة.0
0 Comments:
Post a Comment
<< Home