بيلسان

............

30 April, 2006

اغتيل في 29 أغسطس 1987





بقلم ناجي العلي:
حنظلة


رغبتي بالانتماء هي الآن أشد مما كانت سابقاً ، ولدي شعور بأنني الآن مدعو أكثر من قبل إلى المقاومة وليس شرطاً أن تكون فلسطينية ، أنا الآن أملك إحساساً بالمقاومة الوطنية اللبنانية وهي قريبة من النموذج الذي أطمح إليه ، أيه بندقية تتوجه إلى العدو الإسرائيلي تمثلني ، وما سوى ذلك فلا .

ولكن ماذا لو دب في الوهن ؟ ماذا لو خالجني الإحساس بالهزيمة والتراجع أو أغراني مجتمع الاستهلاك ؟ .. حتى لو أردت فإنني لن أستطيع ذلك فولدي " حنظلة" موجود في كل لوحة من لوحاتي يراقب ما أرسم ، إنه ذلك الرمز الصغير الذي أثار جدلاً دون أن جدلا دون أن يدير وجهه.. ورسومي لا تباع لأن حنظلة عنصر ثابت فيها ..
حاولوا أن يجعلوني " رسام القبيلة" ... مع هذا النظام ضد ذاك .. ولكن كيف أقبل و " حنظلة " معي دائماً .. إنه رقيب لا تتصور مدى قسوته .. إنه يعلم ما بداخلي ، وهو يراقب هذا الداخل كحد السكين ، فإذا أردت أن أستريح لكزني ، وإذا فكرت في الرفاهية وحسابات البنوك ذكرني بنفسي .. بأصلي وبناسي وأهلي وشعبي .. أستطيع أن احتال على الرقباء الرسميين ، فبعضهم لا يفهم المقصود من رسمي ، وأغلبهم لا يفهم أصلاً ، ولكنني لا أستطيع أن احتال على حنظلة .. لأنه ولدي .

سنوات طويلة مرت وأنا أرسم .. شعرت خلالهل أنني مررت بكل السجون العربية ، وقلت " ماذا بعد ذلك ؟" كان لدي استعداد عميق للاستشهاد دفاعاً عن لوحة واحدة .. فكل لوحة أشبه بنقطة ماء تحفر كجراها في الأذهان .

كثيرون ارتدوا وتساقطوا .. إنهم يشبهون نبات الظل ، نضعه في المنزل ، نوفر له حرارة معينة وضوءاً معيناً ، فينمو ، دعونا من أولئك ، إنهم موظفون ، أما الفنان الملتزم فإنه ينمو وسط الحجارة وتحت الشمس التي تحرق رؤوس أمهاتنا المنتظرات على أبواب المخيم ، وفي القلوب المهمومة للبسطاء أينما وجدوا .. في مصر مثلاً هناك من تشدقوا بالآلام الناس ، وحين وقعت الاتفاقية مع إسرائيل صفقوا .. فسقطوا ، وهناك أيضاً من رفضوا أن يعهروا ريشتهم فلجأوا إلى رسوم الأطفال .. رسموا للأطفال لأنهم رفضوا القبول بلقمة عيش مغموسة بالكذب .. هذا هو الفنان الحقيقي .. ليس هذا في مصر وحدها .. بل في كل مكان ، في صفوف الفلسطينين ، وفي المدن العربية وفي شوارع تمتد ولايعلم بما فيها إلا الله ، وكم فيها من ألم ونبل .

.... وووعدت أيضاً ألا أصاب بالحول السياسي ، وهو صدقني .. مرض شائع في العالم العربي ، عين تنتقد كذا وكيت وعين تبرر لكذا وكيت ، وكذا وكيت الأولى لا تختلف عن الثانية في كثير أو قليل ، الخلاف هو خلاف المصدر فقط ، ازدواجية مزمنة هو مرض أولئكالذين حاضرونا ذات يوم في الثورية لهم أسعار معروفة ، بالدولار ، أو بالاسترليني ، وهم " كعداد التاكسي" ، يتوقف إذا لم تدفع ، يتجهون إلى حيث يشاء رب النعمة ، ويتجاوزون عن أخطائه ، بل ويحولونها مآثر ، وينهشون خصومه لو ارتكبوا نفس " المآثر"... ولكن هل يحق لي الانتقاد ؟ لست قاضياً ولكنني رساماً ، ولأنني رسام يتحتم علي أن أوجه ريشتي نحو ما أظنه بائع دماء شعبنا لعلها تتحول يوماً إلى نصر يمزق عن وجهه القناع ، ويكشف مدى قبح ملامحه الحقيقية . أما عن أخطائي فهي تلك التي يخطئني فيها الواقع الذي يحدث، فأنا أكون مخطئاً لو قلت إن هذا يخون ثم استشهد هو نفسه في اليوم التالي دفاعاً عن قضيتنا ، وكم أتمنى أن أكون مخطئاً ، ولكن الواقع بعلمني ، ويشحذ نصل ريشتي ، ثم يثبت أن الخائن يكره الاستشهاد والشهداء .

0 Comments:

Post a Comment

<< Home