استقالة بشارة.. الاحتمالات والتأثيرات
نشرت الصحف الإسرائيلية خبرا عن إمكانية استقالة وشيكة للنائب عزمي بشارة من الكنيست. وقد نفى التجمع الوطني الديمقراطي هذه الأنباء بكلمات عامة دون نفي نية بشارة الاستقالة بشكل عيني.
وإذا صحت هذه الأنباء فهذا يعني نهاية 11 عاما من العمل البرلماني العاصف بعدما انتخب بشارة بداية العام الماضي للمرة الرابعة منذ عام 1996 كرئيس لقائمة التجمع الوطني الديمقراطي.
وعلى نهج الصحف الإسرائيلية اعتبرت وسائل الإعلام العبرية السمعية والبصرية مجرد عزمه الاستقالة خبرا رئيسيا أشغل برامجها.
"النائب بشارة يعرف عربيا كمفكر وكاتب وكمناضل ولكن لا يعرف الجميع حجم عمله البرلماني والانقلاب الذي أحدثه في العمل البرلماني لعرب الداخل، إذ تعتبر فترة نيابته إحدى أكثر الفترات أهمية"ويستشف بوضوح من تصريحات قيادات الحزب أنها تتحفظ على مثل هذا القرار، فيما يواصل عزمي بشارة التزام الصمت. ومن هنا يأتي الشعور بأن للإشاعات أساسا ما..
خاصة أن صحيفة فصل المقال الناطقة باسم الحزب والحركة الوطنية والتي يكتب فيها بشارة مقالا أسبوعيا، قد جهزت الأجواء إذ أشارت في مقال لرئيس التحرير علاء حليحل في عدد يوم 30 مارس/ آذار الماضي لإمكانية أن يتجه د. بشارة لتفريغ المزيد من الوقت للعمل الفكري والأدبي إضافة إلى العمل العام.
وسبق أن أشار النائب بشارة في جلسة المجلس العام للتجمع قبل حوالي السنة عقدت لتلخيص المعركة الانتخابية، إلى أن هذه الدورة ستكون دورته الأخيرة لأنه استنفذ الأدوات البرلمانية القائمة واستنزفته.
كما سمعه كثيرون حتى في اجتماعات عامة يعبر عن رغبته في اعتزال العمل البرلماني عدة مرات، وعن شعوره بأنه قام بما يمكن أن يقوم به داخل البرلمان كممثل لموقف وقضية وكممثل للمواطنين العرب.
النائب بشارة يعرف عربيا كمفكر وكاتب ومناضل، ولكن لا يعرف الجميع حجم عمله البرلماني والانقلاب الذي أحدثه في العمل البرلماني لعرب الداخل، إذ تعتبر فترة نيابته إحدى أكثر الفترات أهمية.
وينعكس ذلك في نواح عديدة منها التشريعات التي وضعت فيها مصطلحات جديدة من نوع "تمثيل مناسب للعرب" في العمل والوظائف، وطرح الحكم الذاتي للعرب في إسرائيل، وفكرة دولة المواطنين ومحاولة ترجمتها في العمل البرلماني، والمواجهة الشاملة مع بنية الدولة كما طرحت في اقتراحات الدستور وغيره، ومصادرة الفكر والموقف الديمقراطي الليبرالي من أيدي الصهيونية لصالح المعركة ضد الصهيونية.
وطرح المواقف السياسية الجذرية المؤيدة لحق الشعوب في مقاومة الاحتلال، ومحاولة توسيع هامش العمل البرلماني المتاح إلى حدوده القصوى، والمشي على حافة الهاوية القانونية في طرح تحدٍ مستمر للصهيونية، وترشيح عربي لرئاسة الحكومة لأول مرة، وغيرها من التحديات والأساليب غير المعهودة في العمل.
ناهيك عن المزاج السياسي الذي يصر على مشروع للعرب في هذه البلاد، والذي تم تبنيه كخطاب سياسي من قبل غالبية المجتمع العربي في البلاد أفرادا ومؤسسات، كما ينعكس في سلسلة وثائق رؤيوية أصدرها فلسطينيو48.
"تقديم بشارة استقالته سيحرمه من الحصانة البرلمانية ويعرضه للخطر، فمن الواضح من الأجواء والإشاعات أن هناك تربصا به لتوجيه تهم أمنية له بعدما فشلت الأساليب الدستورية وتهم التحريض على العنف"على هذه الخلفية جرت ثلاث محاولات لمنعه من خوض الانتخابات ومنع ترشيحه وحتى منع التجمع قانونيا، بما في ذلك سوابق لم تسجل من قبل مثل أن يقدم جهاز المخابرات (الشاباك) تقارير للكنيست وللجنة الانتخابات تبرر منع بشارة ومنع الحزب من خوض الانتخابات.
كما تم التحقيق معه ومع الشيخ رائد صلاح والنائب عبد المالك دهامشة في لجنة أور تحت التهديد بمسؤوليته عن تنظيم احتجاجات هبة القدس والأقصى، وتعرض لنزع الحصانة والمحاكمة مرتين بسبب موقفه وتصريحاته السياسية من حق المقاومة، وبسبب الموقف من يهودية الدولة.
لم تبخل المؤسسة الحاكمة وأتباعها من اليهود والعرب بأساليب التحريض وبالأدوات القانونية لضرب التجمع وقيادته، وقد التقت أوساط اليمين واليسار الصهيونية اليوم في حملة غير مسبوقة بشراستها على بشارة بلغت حد التحريض الدموي عليه.
ولذلك يحذره العديد من أن تقديم استقالته سيحرمه من الحصانة البرلمانية ويعرضه للخطر. فمن الواضح من الأجواء والإشاعات التي تثار في الإعلام العبري وغيره أن هناك تربصا به لتوجيه تهم أمنية بعدما فشلت الأساليب الدستورية وتهم التحريض على العنف.
وقد قالت الوزيرة السابقة شولاميت ألوني مؤخرا في مقابلتين متتابعتين لوسائل إعلام عربية تعليقا على تصريحات رئيس الشباك ديسكين ما نصه:
"الأقوال في هذا الخصوص أقوال خطيرة للغاية، وتصبح خطيرة بشكل خاص عندما يطلقها مسؤولون في جهاز الشاباك. لو افترضنا أنهم يقولون إنّ العرب تهديد إستراتيجي لأننا نميّز ضدهم ولا نمنحهم الحقوق.. فإن هذا ادعاء معقول ويمكن تفهمه، رغم أن واجبنا يحتم علينا تصحيح الوضع ومنحهم حقوقا متساوية.. لو كنت عربية في إسرائيل لكنت سأتمرد أيضًا.. وبالمناسبة، على عضو الكنيست عزمي بشارة أن يبدأ باتخاذ الحذر لأن لديّ انطباعا بأن الشاباك يُعدّ ملفا ضده. وأقترح عليه أن يحاذر لأنه لا يوجد شخص لا يمكن حياكة ملف ضده. وقد قالوا لي شيئًا مشابهًا عندما أرادوا كمّ فمي، فقد حذروني وأوضحوا لي أنه ليس هناك أحد لا يمكن حياكة ملف ضده. وعزمي بشارة بالنسبة لهم هو مثل شوكة في الحلق".
واضح أن د. عزمي بشارة سيحرم من كافة امتيازات الحصانة البرلمانية وذلك لدى تعرضه لكافة أنواع الملاحقة في حال استقالته، وربما كان هذا هو السبب وراء تردده الحالي.
لم يطرح حتى اليوم برنامج شامل لعرب الداخل كما فعل التجمع، بما في ذلك عبر فكر ومواقف وتحليلات وخطابات بشارة البرلمانية. إنه مشروع يطرح المساواة كصراع مع الصهيونية المنافية لفكرة المواطنة في دولة جميع المواطنين ويؤكد على فكرة ووجود قوميتين واحدة منهما أصلانية في هذه البلاد، ويعتبر الصهيونية حركة استعمارية.
"من الواضح أن بشارة المنشغل بالفكر والأدب والكتابة السياسية والعمل الحزبي التأسيسي والإعلام والنضال والعمل البرلماني النيابي سيترك فراغا كبيرا يصعب ملؤه حتى برلمانيا إذا ما قرر الاستقالة"وبمناسبة النقاشات الدائرة حاليا حول حق العودة، أصر النائب بشارة عدة مرات في خطاباته البرلمانية على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وهو موقف غير مسبوق داخل البرلمان الإسرائيلي نفسه.
ويعود إلى بشارة الفضل الأول في التواصل بين عرب الداخل والعالم العربي وتعريفهم بوجه قومي وطني.. وذلك عبر كتاباته وظهوره الإعلامي وتأثيره الفكري ولقاءاته العربية في سوريا ولبنان ومصر والأردن والمغرب ودول الخليج وغيرها.
يصعب تلخيص مرحلة نشاط بشارة البرلماني والتجديدات التي أدخلها على مستوى استخدام الأدوات البرلمانية وحجم الفعالية وعمق التحديات.
وسيترك التقييم الأشمل للمؤرخين ولغيرهم من المقيّمين، ولكن من الواضح أن النائب بشارة المنشغل بالفكر والأدب والكتابة السياسية والعمل الحزبي التأسيسي والإعلام والنضال والعمل البرلماني النيابي أيضا، سيترك فراغا كبيرا يصعب ملؤه حتى برلمانيا إذا ما قرر الاستقالة.
وسيدخل إلى الكنيست إذا استقال النائب بشارة المرشح الرابع في قائمة التجمع الوطني الديمقراطي المحامي سعيد نفاع عضو المكتب السياسي ورئيس رابطة المعروفيين الأحرار المناهضة لفرض الخدمة العسكرية على الدروز، وهو شخصية وطنية وسياسية وأدبية معروفة مقربة من د. عزمي بشارة.
المصدر:
الجزيرة
الجزيرة
0 Comments:
Post a Comment
<< Home