هرم مبكر

خليل قنديل


حينما تضع قدمك في الدائرة المتعرجة من العمر العربي ، أعني حينما تحط قدمك في العقد الخمسيني من عمرك ، فعليك أن تستعد الى الكثير الكثير من المؤامرات الاجتماعية والاتفاقات الجمعية المسكوت عنها.

فأنت وحينما تبدأ بتجاوز الاربعين عربيا سوف تبدأ الايماءات والاشارت الاجتماعية في البث اليك ، بضرورة توخي الحذر من التسرع أو التعجل في إبداء وجهات النظر المتهورة ، والعمل على تثخين صوتك ، وترك فواصل صمت بين الجملة واختها ، للتمكن من المستمع ، والهيمنة عليه بما يليق مع ثقل عمرك ووزنه ، وتطعيم نطقطك بالحكمة.

وأنت حينما تبدأ بالاقتراب من عمرك الخمسيني ، عليك أن تتخلى عن كل الدلع العمري ، وتتخلى عن كل المسلكيات الشبابية التي تتسم بالعفوية ، أو بالتهور.

ولهذا عليك أن تستدرج سماكات ذات جلد سلحفائي كي تغلف بها روحك ، بحيث تبدأ بالإقامة الجبرّية في منطقة الوقار التي عليها أن تتفق وتتواءم مع هيبة الشيب الزاحف اليك.والوقار هذا هو الذي سيتكفل بمنعك من المشي او التصعلك في امكنة تضج بالعافية والحياة.

وهو على الاغلب سيمنعك من فكرة الدندنة أو الجهر بالغناء والطرب ، أو الضحك بقهقهة عالية ، أو التريض. أما الرقص فهو ثالثة الاثافي بالتأكيد.وفي متتاليات الحجر العمري عربيا ، سيكون عليك أن تحذر من الإحتكاك بمن هم اصغر منك سنا ، مثلما عليك تحاشي الاقتراب من الانثى وتحت أي مسمى.

وبهدف تأكيد هذا النهج الجديد عندك سوف تتعرض الى مسلكيات من الناس حولك ، تنُم عن تحالفات حميمة لتاكيد وضعك العمري.

فأنت وحينما تصعد الى حافلة مزدحمة بالركاب لا تستغرب أن يتقدم منك أحد الركاب الشباب ، وهو يدعوك الى الجلوس مكانه ، بحكم جلال عمرك ، والارتجافة المتوقعة في قدميك. وانت حين تتعرض للنداء ، فسوف تلاحظ أنهم سيندهون عليك بـ "يا حاج" ، دون ضرورة التأكد ان كنت قد زرت البيت الحرام فعلا،.

إن فعل الكد الجمعي العمري العربي ، الذي يقود الفرد وهو في اجمل سنوات عمره تألقا ، نحو الهرم وتغضن المسلك الحياتي وتجاعيده ، يدل على حالة من الكساح الحضاري ، الذي يسعى الى اعفاء الفرد من مهامه الانتاجية ، واستلاله من الضجة الجميلة للحياة ، ونحره على عتبة العمر.انها مؤامرة الهرم المبكر ، ومؤامرة احالة الروح الى التقاعد.وأي تقاعد؟،

.khaleilq@yahoo.com