قيادي الموساد يفجر المفاجأة بالاعتراف على نفسه وقادة إسرائيل بارتكاب مذابح ضد العرب
بعد دقائق من الجلوس في ذلك الصالون الأنيق في منزل قيادي الموساد السابق "شومؤيل توليدانو"، طلبت منه -إن كان في الإمكان- أن أنتقل للجلوس على مقعد آخر أقل راحة من ذلك المقعد الذي أجلسني عليه، أو بمعنى أصح الذي ألقى بي في داخله، حيث كان المقعد هائل الحجم، ووثيرا لدرجة أنه لا يسمح لك بالتفكير في أي شيء سوى الاسترخاء والرغبة في النوم.
ابتسم الرجل قائلا: "ألا تستطيع التركيز وأنت جالس على هذا المقعد...؟ عموما أنت محق، يمكنك أن تنتقل إلى هذا المقعد غير المريح...".
وأثناء قيام "توليدانو" بصب أقداح القهوة العربية التي يعشقها هو الآخر، دار الحديث التالي: -:
لقد تحدثت لي ونحن في القاهرة عن عزمك تفجير قنبلة سياسية مدوية عندما نتقابل في إسرائيل، ولم ترضَ أن تكشف عن تلك القنبلة لي في القاهرة. وقد تفهمت دوافعك المحتملة التي أمكن لي أن أقلبها في ذهني. فمن المحتمل أنك ظننت أنه قد لا يكون من المناسب أن تنزع فتيل هذه المفاجأة التي وصفتها بالقنبلة وأنت في القاهرة، وها أنا الآن في عقر داركم، فما تلك القنبلة؟!
توليدانو (مبتسما): يبدو أنك قد دونت كلماتي القليلة في هذا الشأن في مفكرتك حتى إنها كانت أول ما تحدثت عنه بمجرد جلوسك..
(اختفت ابتسامة الرجل بنفس سرعة ظهورها لكي يبدأ في حديث عن المبادئ والقيم وضرورة التطهر)..
هناك حقيقة هي أقرب للاعتراف أود أن أزيح عنها النقاب بعد طول إنكار من جانب قادة إسرائيل، ألا وهي: أن هناك العديد من المذابح التي ارتكبناها في حق الشعب الفلسطيني قبل، وقبيل، وأثناء، وبعد قيام دولة إسرائيل. ولقد شهدت بعضا من تلك المذابح، كما أنني رأيت ما خلفته أخرى من أثار مدمرة لا يمكن إنكارها. تلك المذابح التي تحدثتم أنتم العرب عن بعض الذي وصلكم منها، وأخرى مما لم تصل إليكم!
-: في أي منطقة من فلسطين كنت موجودا أثناء حرب عام 1948؟
توليدانو:
كنت أتحرك في منطقة الرملة والوسط العربي واللد.
-: من كان معك ممن أصبحوا فيما بعد من كبار قادة إسرائيل، سواء عسكريا أو سياسيا؟
توليدانو:
كان معي الكثيرون من أصحاب الأسماء اللامعة سواء في سماء الحياة السياسية أو العسكرية في إسرائيل. فعلى سبيل المثال كان معي جنرال الجيش الأشهر "ماتي بيليد"، وأشهر مدير للموساد في تاريخه "إتسر هارئيل"، ووزير الدفاع الأشهر "موشيه دايان"، وغيرهم ممن سقطوا سهوا من الذاكرة.
-: هل لك أن تروي لنا جانبا من هذه المذابح التي عاصرتها وخبرتها؟
توليدانو:
لقد دأبنا في إسرائيل منذ قيام الدولة أن ننفي بشدة ما شاع عن قيامنا بارتكاب مذابح قبل وأثناء حرب عام 1948 ضد الفلسطينيين، وترويعهم لدفعهم إلى الهرب بحياتهم من مناطق بعينها فيما وراء الخط الأخضر، وذلك بهدف تفريغ هذه المناطق من الأغلبية العربية لصالح الأقلية من اليهود. أقول إننا دأبنا على النفي، غير أننا لم نكن صادقين في ذلك، على الأقل فيما يتعلق بتلك المذابح التي ارتكبناها.
-: هل لنا في مزيد من التوضيح؟
توليدانو: لطالما زعم زعماء الفلسطينيين منذ عام 1948 أن القوات الإسرائيلية قامت خلال الحرب بالعديد من المذابح، لكي تروع المدنيين من الفلسطينيين، وتحملهم على ترك قراهم وأحيائهم لنا نحن اليهود. ولطالما زعمنا نحن في إسرائيل أن السبب في هروب هؤلاء الفلسطينيين تلك النداءات التي أطلقها زعماؤكم لهم بضرورة الخروج من مدنهم وقراهم حتى يتيحوا الفرصة للجيوش العربية لدخول ميادين القتلى للقضاء علينا نحن اليهود. ودعني أعلنها صراحة الآن.. أننا كنا كاذبين في ادعائاتنا تلك، ومن أننا بالفعل ارتكبنا المذابح لترويع وتهجير هؤلاء الفلسطينيين!!
-: هل لك أن تروي لنا جانبا مما شهدته في هذا الصدد؟
توليدانو:
أتذكر -على سبيل المثال لا الحصر- أنه في أحد أيام صيف عام 1948، وأثناء احتدام القتال بيننا وبين الجيوش العربية، أنني كنت مكلفا مع "إتسر هارئيل" المدير الأشهر -فيما بعد- للموساد، والجنرال "ماتي بيليد" وغيرنا بأن نقتحم بعض القرى والبلدات الفلسطينية، في منطقة الوسط العربي القريبة من اللد. في ذلك الوقت تم نصب المدفعية الثقيلة حول هذه البلدات والقرى والأحياء بمن فيها من المدنيين العزل، وتم قصفهم بشراسة أجبرت من تبقى على قيد الحياة على الفرار خارج هذه المناطق، وقد تكرر هذا العمل مرارا في الوسط العربي، وفي مناطق أخرى!!
-: في ذلك الوقت ألم تراودك أفكار مثل: أن ما تقدمون عليه هو جريمة إبادة بكل المقاييس، أم أن الأمر كان عاديا بالنسبة لكم جميعا؟!
توليدانو:
في ذلك الوقت كانت الظروف العامة مختلفة، وكذلك الظروف الخاصة والتركيبة النفسية لنا كشباب، عما هي عليه الآن، وذلك على الأقل فيما يتعلق بي. في ذلك الوقت كانت لنا قناعات دفعتنا إلى هذا الفعل بدون تفكير، إلا أن ذلك لا ينفي بشاعة ما حدث!
-: هل تعتقد بأن ما حدث من جرائم كانت تحدث كتجاوزات من قادة ميدانيين أعمتهم الكراهية عن التمييز بين المدنيين العزل من السلاح، وبين المقاتلين المسلحين؟. أم أنك تعتقد أن ما حدث جاء نتيجة لأوامر صريحة من القيادة العليا في تل أبيب؟
توليدانو:
أنا لا أعتقد، وإنما أنا أعرف جازما أنها كانت أوامر عليا وصريحة من القيادة الإسرائيلية. وأنا في ذلك ليس لدي أي شك. لقد كانت الأوامر بالمذابح تصدر لنا من زعيمنا في ذلك الوقت وأول رئيس لوزرائنا "دافيد بن جوريون".
-: بعد انتهاء الحرب، هل كنتم –أنت وغيرك ممن شاركتم في هذه الجرائم– تتحدثون فيما بينكم عما حدث؟ وإذا كان ذلك، فهل كانت تلك الأحاديث بمثابة تطهير للنفس وإطلاق بخار الذنب المكبوت، أم كان ذلك من قبيل سرد الذكريات فقط؟
توليدانو:
قلما كانت تدور أحاديث عن تلك الأشياء فيما بيننا، ولك أن تفسر الأسباب كيفما شئت!-: متى إذن، ولماذا انفجر هذا البخار المكتوم؟توليدانو: كان ذلك في البداية، وعلى نطاق ضيق من جانب الجنرال "ماتي بيليد" الذي شهد قبل وفاته تحولا سياسيا ونفسيا هائلا، لدرجة جعلت اليمين الإسرائيلي بالإضافة إلى الجيش كله ينقلب على واحد من أعظم العسكريين الإسرائيليين في التاريخ، وأن يصفونه بصديق العرب!! أعتقد أن الجنرال "ماتي بيليد" كان يحمل عبئا نفسيا شديدا بسبب ما حدث وشارك فيه هو، وهو الأمر الذي دفعه إلى أن يخلص نفسه ويطهر روحه بالاعتراف وبتأييد حق الفلسطينيين في أن يكون لهم وطن قومي مستقل.
-: وماذا كان رد فعل القيادات الإسرائيلية، وخاصة ممن شاركوا في هذه المذابح؟
توليدانو:
لقد اغتالوا شخصية الرجل معنويا، وذلك بتشويه سمعته، واتهموه بشتى أنواع التهم مثل: الشيوعية والفوضوية والعمالة وغير ذلك من الأباطيل. ذلك الرجل الذي يجب أن يعامل في تاريخنا على كونه أحد أهم أبطال دولة إسرائيل!
-: لقد ذكرت من قبل أن "إتسر هارئيل" المدير الأسبق للموساد، ورئيسك المباشر، سواء قبل وأثناء وبعد حرب عام 1948، اشترك في هذه الجرائم، فماذا كان رد فعله إزاء اعترافات "بيليد"؟
توليدانو:
"إتسر هارئيل" كان رئيسي في العمل لسنوات طويلة، كما أنه كان من أكفأ من تولوا هذا المنصب قاطبة. إلا أنه في السنوات الأخيرة شهد تحولا حادا إلى أقصى اليمين، وهو الأمر الذي لم يدفعه لالتزام الصمت فقط، ولكن دفعه إلى أن يكذب ما حدث تماما وينفيه بشكل مطلق. وأنا في هذا المقام أتحداه وأدعوه إلى الصدق والصراحة، دعنا نكف عن تزييف التاريخ...!!
0 Comments:
Post a Comment
<< Home