بيلسان

............

17 April, 2007

تحية الي عزمي بشارة



كثير من الغموض، وكثير من الشائعات. جهاز الأمن الاسرائيلي ـ الشاباك ـ يضرب، ويسرّب اخبارا الي وسائل الاعلام، والقضاء يصر علي سرية التهم الموجهة الي عزمي بشارة.
السري صار معلنا بلغة تجمع الخبث الي المراوغة، والمقصود شن هجوم شامل علي الأقلية الفلسطينية العربية في اسرائيل، واعادتها الي حظيرة الطاعة. نقول الأقلية العربية ونحن نتحدث عن سكان البلاد الاصليين اي عن اللاجئين في وطنهم، الذين سرقت اراضيهم وبيوتهم، وتحولوا الي عمال عند السارقين!
الهدف تحطيم الرؤية المستقبلية ووأدها في المهد. انها المرة الأولي التي تعبر فيها الأقلية الفلسطينية عن موقفها السياسي، وتدعو الي دولة لكل مواطنيها، وتسعي الي الاعتراف بها كأقلية، والي حقوقها السياسية والثقافية.هذه الجرأة علي طرح الأمور في اطارها الواقعي اصابت المؤسسة الاسرائيلية بالهلع.
لأنها كشفت واقع التمييز العنصري الاسرائيلي. اسرائيل التي تدّعي الديمقراطية، اقامت فعلا ديمقراطية لليهود، لأنها دولتهم وليست دولة كل مواطنيها، وحولت سكان البلاد الأصليين الي مواطنين من الدرجة الثانية. وعندما ارتفع الصوت الفلسطيني مطالبا اسرائيل بأن تكون دولة ككل الدول الديمقراطية، التي تدّعي انها جزء منها، قامت القيامة، وتقرر تقديم كبش فداء، وكان هذا الكبش هو عزمي بشارة.
الحملة علي بشارة لا سابق لها، زعيم حزب التجمع وعضو الكنيست يحتل الصفحات الاولي من الجرائد الاسرائيلية. فالرجل الذي عرف كيف يجمع الزعامة السياسية الي النجومية الثقافية والاعلامية، وصار وجها ثابتا علي الفضائيات العربية، هو الهدف الذي يجب التخلص منه، والصاق الاتهامات الأمنية والمالية به، كي يكون عبرة، وكي يخفت الصوت الفلسطيني العربي في ارض فلسطين التاريخية.وبصرف النظر عن تكتيكات بشارة العربية، بعضها احدث استغراب المثقفين السوريين واللبنانيين، بسبب تجاهله واقع القمع الذي يتعرضون له علي ايدي النظام السوري، وهي تكتيكات اثارت الأسي في صفوف اليساريين والديمقراطيين في بلاد الشام، فانها عوملت في وصفها لحظة عَرَضية، لأنها ليست لب المسألة.
المسألة كانت وستبقي مرتبطة بالحق الفلسطيني، فهذا الحق يعلو كل شيء، واي تقدم، مهما كان صغيرا، يحرزه الفلسطينيون، في الضفة وغزة، او وراء الخط الأخضر، ينظر اليه في وصفه انجازا لكل شعوب المشرق العربي، واكثر اهمية من كل الأخطاء الصغيرة.استهداف عزمي بشارة يخفي الكثير من الأهداف المبيتة، ولعل اهمها قتل الحركة القومية خلف الخط الأخضر، واشعار الفلسطينيين في اسرائيل بأنهم لا يستطيعون امتلاك مشروعهم الوطني الخاص بهم، والذي يشكل رديفا للمشروع الوطني الفلسطيني العام بأقامة دولتهم المستقلة علي جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وصولا الي تفكيك التجمع الوطني الديمقراطي وتصفيته.والاسرائيليون واهمون كالعادة.
فاسرائيل لم تحاول منذ تأسيسها سوي شراء الوقت، معتقدة ان الزمن كفيل بحل الأمور العالقة عبر النسيان. هذا التكتيك الذي اعتمدته جميع تيارات الحركة الصهيونية واحزابها، لا يتميز سوي بالحمق. فالدولة التي تقدس الذاكرة اليهودية تسعي الي محو ذاكرة ضحاياها، لكنها في الواقع تفعل كل شيء من اجل تأجيجها.كأن السلطات الاسرائيلية تعود اليوم الي زمن مضي، اي الي المرحلة التي تمت فيها تصفية حركة الأرض، او الي ملاحقة رائد صلاح، او الي وضع الفلسطينيين في اسرائيل تحت نار التهم المتواصلة. وهي اعمال لم تؤدِ الي اي شيء.
فالفلسطينيون خلف الخط الأخضر، الذين صنعوا احدي اكثر التجارب الثقافية العربية اشراقا، والذين جعلوا من صمودهم في ارضهم ومقاومتهم الي يوم ارض دائم، لن يستطيع اي اجراء قمعي ولا اي تهم مزيفة وممجوجة، ان تقضي علي تجربتهم الوطنية، التي تتشكل في اطر تعبير مختلفة، من الحزب الشيوعي الي التجمع، والذين نجحوا دائما في التكيف مع شروط القمع الاسرائيلي من اجل تجاوزها.بهذا المعني، فان معركة عزمي بشارة مع الاجهزة القمعية الاسرائيلية بالغة الأهمية، لكنها ليست المعركة الأولي ولن تكون الأخيرة.
انها جزء من سياق نضال شعب من اجل الدفاع عن اسمه وكرامته وارضه.غير ان محاولة الاسرائيليين دفع بشارة الي مغادرة وطنه، يجب ان لا تمر من دون معركة سياسية وثقافية كبري، في اسرائيل وفي العالم العربي وفي العالم. ان محاولة ترهيب مثقف ومناضل وقائد سياسي من وزن عزمي ليست تفصيلا. فالاسرائيليون باتوا لا يخشون سوي من امتلاك الفلسطينيين لغتهم. وهنا تدور المشكلة. ما معني ان لا يحق للفلسطينيين الذين عاشوا هول الطرد من قراهم ومدنهم وصاروا لاجئين في قري اخري من وطنهم الذي تغير اسمه، الدعوة والنضال من اجل دولة لكل مواطنيها. الا تكشف الهستيريا الاسرائيلية في مواجهة شعار بديهي كهذا الشعار، ان اسرائيل مصابة بالبارانويا، وان علي ضحايا الحركة الصهيونية يقع عبء تخليص المجتمع الاسرائيلي من هذا الخواف المرضي، الذي يحوّل الدولة العبرية عبئا علي التاريخ اليهودي بأسره.
الضحية الفلسطينية، وهي تواجه اليوم هستيريا الحملة علي بشارة، تشعر ان عليها ليس فقط الدفاع عن حقها في الوجود، بل الدفاع ايضا عن قيم الحرية والعدالة والمساواة، وهي القيم التي هناك اجماع ثقافي عالمي علي اعتبارها قيما انسانية تضع الحد الفاصل بين الحضارة والبربرية.عندما يبني النضال الوطني الفلسطيني التماهي بين الحق الفلسطيني والقيم الانسانية، يكون قد بدأ مسيرته الي تحقيق وجوده علي خريطة الواقع.من هنا فان قضية بشارة، تفتح الباب واسعا من اجل بلورة هذا التماهي، في سياق المعركة الطويلة التي فرضت علي الفلسطينيين.تحية الي عزمي بشارة. 0

الياس خوري

القدس العربي

0 Comments:

Post a Comment

<< Home