بيلسان

............

07 March, 2007

في معني تحقير الصحافيين تلفزيونيا وانحدار المسؤولين لشتائم الحواري!



لا اعرف هل حالة الصحافيين في بلداننا تثير الشفقة عليهم ام التعاطف معهم، ام الاثنين معا. هناك مشكلة عميقة في علاقتهم بالمجتمع وبالسياسة وبالمؤسسات والافراد. لاهم فاهمين هذه العلاقة، ولا الاخر بادر لتوضيحها.
ثلاث حالات، كلها شوهدت بالتلفزيونات، لتوضيح بؤس الحال:
في الحلقة الاولي مع الشيخ عبد المجيد الزنداني، سمع صاحب زيارة خاصة بقناة الجزيرة ، سامي كليب، ما يكره ان يسمعه اي صحافي: ان يوصم بالعمل للمخابرات (او مثلهم). هذه اسهل تهمة يمكن ان تكيلها لخصمك في 2007، لانها بقدر خطورتها بقدر تفاهتها، دون ان ينفي ذلك ان هناك صحافيين علي تماس مع اجهزة مخابرات بلدانهم وربما مخابرات اجنبية. صدرت هذه التهمة، هذه المرة، علي لسان الزنداني عندما لم يستسغ اسئلة سامي كليب عن اسامة بن لادن. ورغم ان الاجواء تلطّفت لاحقا، فالتهمة تعيد تذكير من نسي بطبيعة العلاقة بين الصحافة و الاخر .اعتبر زيارة خاصة واحدا من انجح البرامج ومقدمها من اكثر المذيعين احترافية وثقافة.
وعندما يسمح رجل مثل الزنداني لنفسه بوضع اي مقارنة او قياس بينه (كليب) والمخابرات، فهو رد فعل يكشف انه (الزنداني) واحد اخر من فئة الذين تتمني ان لا يسلطهم الله علي رقاب العباد.يحدث هذا التجني عندما تسير الاسئلة في غير ما يشتهيه السياسي، وهو جزء من ثقافة واسعة الانتشار وضاربة الجذور.
فالتهمة صدرت لان الزنداني اعتقد ان مكانته الفكرية والعقائدية والسياسية تحصنه امام هذا النوع من الاسئلة، او لكونه ربما تعوّد علي نوع معين من الاسئلة من الصحافة اليمنية المحلية.
في اليوم الموالي نهر وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل صحافية بشكل غير حضاري لانها تجرأت وسألته سؤالا قدّر سيادته انه مسيء له او للبلاد.
سألته عن تهديد شركات عالمية بالتراجع عن صفقات مع الجزائر لان قانون المحروقات الجديد يظلمها ، فرد بعنف بان لوبيات النفط العالمية يستعملوكم باش تضغطوا علينا . ثم مضي محاضرا بعصبية كيف انه يقول كلاما للاعلام الغربي فلا ينشره بينما يجرؤ صحافيون جزائريون علي نشر كلام مضر بمصلحة سونطراك والبلاد.
اكاد اجزم بان الصحافية غلبانة ومبتدئة وغير ملمة بالموضوع، واستطرادا، من قلة المروءة ان يتهمها وزير، امام المشاهدين في برنامج مباشر، بانها في خدمة لوبيات النفط ضد بلادها. هذا اخر شيء يمكن ان تُتهم به هذه المسكينة. هذه تهمة من واحد يحيط به الارتباك والشعور بالفشل والضجر من اسئلة يعتقد انها مؤامرة عليه، تجاه اخر مغلوب علي امره. السيد شكيب جرّب في الصحافية المسكينة المثل السوداني القائل اضرب المربوط يخاف السايب .
قبل هذا وذاك، وفي سياق مشابه، كشفت وزيرة الثقافة الجزائرية عن ترد فظيع في العلاقة بين الحكم والصحافيين. ففي برنامج حواري متلفز، شتمت السيدة خليدة تومي صحافيين علي طريقة طيبات الحمّام او كما تتناوش الجارات من علي بلكونات الحارات العربية.ورد في اكثر من مكان ان صحافيين جزائريين انتقدوا مراسم افتتاح الجزائر عاصمة الثقافة العربية (ليت الحكومة فكرت في الجزائر عاصمة الثقافة الجزائرية اولاً)، فثارت ثائرة الوزيرة لانها اعتقدت انها المستهدفة بالانتقاد (يجب الاعتراف بان بعض الصحف تبحث عن رأس الوزيرة مهما كان الثمن وجعلت من الاطاحة بها مهمة قومية).
قالت صحف جزائرية ان الوزيرة ارادت رد الاعتبار والانتقام من منتقديها، فطلبت من مدير التلفزيون ان تكون ضيفة برنامج ثقافي دوري عنوانه فصول ، وكان لها ما ارادت.
بدأ البرنامج عاديا ثم تحوّل الي تهديد ووعيد وازدراء اسوأ مما ورد علي لسان شكيب خليل. مما قالت الوزيرة باتجاه الصحافيين انتم لا تمثلون شيئا ، وقفتم ضد الرئيس (بوتفليقة) في الانتخابات ولم يأبه بكم احد ، زوابري (قائد الجماعات الارهابية في التسعينات) ما خوفناش.. مشي انتم اللي تخوفونا وغيره من كلام حواري القصبة وقاع الصور .لو عرضنا هذا الكلام والسياق الذي بدر فيه علي خبراء بعلم النفس، لقالوا انه صادر عن شخص متسلط حاقد علي الذين يخاطبهم. ربما يفيد التذكير ان علاقة خليدة تومي قبل ان تصبح وزيرة مع الصحافيين الجزائريين كانت جيدة بل مفرطة في الحب.
كانت تعتقد انهم يخوضون معها نفس المعركة وكثيرا ما اشادت بـ شجاعتهم . من كل ما سبق، استطيع ان اقول ان الجزائر لا تزال مكانك تراوح مثلما كانت قبل عقدين. عشرون سنة ولا نزال في الصفحة الاولي.
قبل 18 سنة خاطب الرئيس الاسبق احمد بن بلة الصحافيين في برنامج في لقاء الصحافة التلفزيوني المباشر قائلا انتم شياتين ، وهي عبارة تقترب الي البذاءة ومن المفروض الا يُسكَت عنها.
قبله، وفي نفس البرنامج، خاطب رئيس حزب غريب الاطوار يقف في منتصف المسافة بين التخريف وفقدان الصواب، صحافيين بالقول انتم قناطر (جسور). واستعمال التعبير في سياق كهذا بالجزائري فيه اهانة لا يُسكَت عنها.تزامنا كان قادة جبهة الانقاذ يتلذذون بترهيب الصحافيين امام انصار تسمعهم هيهيهي من تحت انوفهم بخبث. تقول لهم انا فلان من صحيفة المساء فيرد علي بلحاج او عباسي مدني قل هي مشّاء بنميم . تقول لهم فلان من مجلة الوحدة ، فيرد بغرور قل هي الوخذة (الهلاك). تقول جريدة الشعب ، فيرد بنفس الغرور انها الشَغَب . وقس علي ذلك، خصوصا انهم، واخوتهم الاعداء في حماس ، موهوبون في المقارنات والقياسات اللغوية.
هذا التعالي هو الذي كرّس صورة سلبية عن الصحافيين بالشارع الجزائري، وهو الذي اثمر، لاحقا، عداء تجسد قتلا وتشريدا.كان هذا قبل 20 سنة من اناس مثل جحا يعتقدون ان الدنيا تحت أرجل بغالهم. هل نلوم بلحاج؟ وهل نلوم الزنداني؟ لا. نلوم شكيب خليل الذي يقال لنا انه متأمرك (عاش ربع قرن في امريكا) فهم العولمة الاقتصادية والمالية رأسا علي عقب، ويتكلم اكثر من لغة وعمل في اكثر من مؤسسة مالية دولية. من المفروض ان هذا التحضر يؤهله ليكون لبقا مع الصحافيين. اللوم علي خليدة تومي التي يتباهي اصدقاؤها بانها تساوي مئة رجل وانها ضحت بحياتها الخاصة في سبيل الجزائر الواقفة، الديمقراطية، العصرانية (التي يهين مسؤولوها صحافيين من جميع النواحي).لكن مشكلة هذا النوع من المسؤولين ليست مع الصحافيين ككل، بل مع طائفة من الصحافيين الجزائريين.
في المقابل، لا مفر من الاقرار بان كثيرا من الصحافيين الجزائريين تعساء فكريا ومهنيا، يفتقرون للتكوين والكفاءة المطلوبَين، وكثيرون ضحايا ما لحق بالمهنة من تبئيس وتدمير في العقدين الماضيين. لكن هذا لا يجب ان يكون حجة لاي مسؤول مغرور ليهينهم ويمارس عليهم فحولته. هؤلاء المسؤولون يتوددون للصحافيين الاجانب ولا يجرؤون علي مجرد التفكير برميهم بالتهم جزافا. اما مع الاغلبية الساحقة من الصحافيين الجزائريين، فشعارهم محقورتي يا جارتي !تصوروا!درس في التفوق الاعلامي: كانت قاعات التحرير من المحيط الي الخليج تغلي يوم الاحد باخبار اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة ومقاطعة ليبيا القمة العربية المقبلة. قناة العربية الممولة سعوديا تجاهلت الموضوع ما أمكن، ثم تعرضت له من كل الزوايا الا من زاوية المقاطعة الليبية.
حتي المراسلون من القاهرة لُقّنوا الدرس جيدا، فلم يذكروا في مداخلتهم ما قاله وزير خارجية ليبيا عن نقل القمة من شرم الشيخ الي الرياض، ولم يُظهروا صورته. سؤال: تصوروا رد فعل العربية لو ان ليبيا اعلنت مقاطعة قمة عربية مقررة في الدوحة.. مش الدوحة يا سيدي، في صنعاء او في نواكشوط!
توفيق الرباحي - القدس العربي

0 Comments:

Post a Comment

<< Home