بيلسان

............

26 April, 2007

هدية إلى حبيبي مع فنجان القهوة هذا الصباح

الحب الأول
عناية جابر

لم يكن استاذ الفرنسية وسيما، اتذكر الآن كم لم يكن وسيما، وادهش من ان عدم وسامته لم يحل بين طفلة في العاشرة من الوقوع في غرامه. خفقة عنيفة، ضاجة في الهنيهة التي دخل فيها الي الصف ذات صباح ماطر، ويقطر الماء من شعره. هنيهة فحسب، متوحشة وعظيمة، وجرحتني.
هنيهة ادخلتني نفقا، وبدأت كرنفالات النبض السريع، وروحي شردت تحت سماءات اخري. بارحتني حقيقة انه كان موجودا منذ انتسابي الي مدرسة شارلي سعد . هنيهة دخوله رطبا مبللا، جعلته موجودا بفتنة لا تطاق. هنيهة كطلقة محتقنة، ادخلتني في رقة بشرته وجفنيه، واطرقت اصغي لاختلاج صوت قدميه داخل حذائه الذي ابتلع ماء كثيرا.
هنيهة فصلتني عن رفاقي، الانفصال الثري عن المشهد العادي، وها هو الحب الاول، دفعة واحدة.استغرقت في تأمل كنزي الذي اكتشفته للتو.
وبما انني انظر اليه مذهولة، فقد ابتسم. اختفت الابواب والنوافذ، ولم اعثر علي احدها لأهرب، فثمة ابتسامته، قذفت بنفسي فيها وانطبقت علي ووصلني الكون كاملا، فأنا في الحب، كأنني عشته منذ ولدت.سألني القيام الي اللوح، ولما كانت حولتني هنيهة الي عاشقة، فقد قمت علي ساق رفيعة لزهرة جيرانيوم.الطبشورة بيضاء علي اللوح الاسود، عدا ذلك اختلطت علي الألوان. كتبت الجملة التي طلب الي كتابتها.
تلك كتابة فحسب بخطوط متعرجة وتنظر حروفها الي اكثر من وجهة. كل شيء في الخارج طري، المطر، الزجاج المضبب بأنفاس عشرين تلميذا. عيناه في الداخل اوسع مدينة علي الاطلاق. وحدها يدي خشبة، واذا لم يقرع الجرس الآن، فانهم حتما يرون، الاستاذ والتلاميذ، اعراض غرام خطير علي شعري المضفر بشدة. يرون اظافري التي طالت فجأة، خصري الذي استدق اكثر، ويرون الي حفلة اعدام الطفولة عقابا علي هنيهة حلت، لا دخل لي في حلولها.نزع معطفه المبلل بالمطر، غير منتبه الي هيكلي الصغير، وقد تحول الي قطرة كبيرة، أزرار معطفه التي فككها واحدا واحدا، ابتلعتها كلها كأقمار.انها الهنيهة التي دامت طويلا، ويدعونها الحب الاول، والماء الذي نشف عن شعره في ما بعد، لم يغير من وهجها شيئا. حين اتي يوما يودعنا، عضضت شفتي حتي انبثق منها الدم. سافر لاقداره، ووددت ان اصرخ اسمه، لكن بلادة طفولتي هزمتني.
الأستاذ المقيم الآن في بلد اوروبي، لا يعرف ان هنيهته تلك بقيت كاملة كذكري. استمرت في نومي، جعلت منها مناما دائما بلا اي وجه علي الاطلاق. يعرف هو، ان ذلك الشيء الصغير قد حصل للصغيرة. لكنني وحدي غنمت حبا اول. صوته احيانا يقودني في انفاق مدن اوروبية. هنيهة وهمية ولكن ظلالها تدوم. حين اسمع صوتا يشبه صوته في سماعة تلفون ساخنة، تتفتح اشياء في عميق قلبي.الحب الاول يناسب طبيعتي. غرسه ذلك الاستاذ وسافر متعجلا. لم يمنحني حبه، فقد كنت أصغر من ان احب.
مر الوقت سريعا، ثم هدأ الحب تماما، لم يبق منه سوي خصلات شعر بللها المطر، وتركض في نبضي اسرع من اي شيء. الذكري ما زالت. فصل لا ينتهي ويعرف بعضكم ذلك. خبره وعاناه. لا خاتمة للذكريات القوية وهي اطول من الحياة نفسها، حتي الوقوع في الغرام لمرة ثانية وعاشرة، يحمل في تفاصيله تثاؤب ذكريات الحب الاول.
رأيته يوما في احدي الجزر اليونانية، يعبر الساحة التي كثرت فيها الهدايا التذكارية التي تباع للسائحين، وتعبق برائحة الشواء، ويتقافز الحمام بين الارجل، هل يمكن لهنيهة مقطوعة الساقين ان تتبعه وتربت علي كتفه وتقول له انظر.. أنا التي احبتك طويلا، بدوت بفستاني الابيض كالطبشور، كثيرة عليه. لم اشأ ان تنتهي اجازتي باعتراف باطل يعطل قدرتي علي مراقبة السفن، والتسكع ليلا وحيدة وسعيدة. مر مسرعا بسترة كاكية مزررة بالكامل. الأزرار التي فككها يوما واحدا واحدا، اهترأت في ماضيها.ركلت البحصة الكبيرة الملساء التي اعترضت خطوي، واكملت سيري الي الميناء، فأنا علي كل حال، لا املك كلاما كثيرا اقوله له، في هذه الجزيرة الفاتنة.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home