بيلسان

............

28 February, 2007

الحد الثاني لسلاح الاغتصاب





كل سلاح تقريبا ذو حدين, ولكن كلما ازداد مضاء حد السلاح ازدادت فرصة انقلاب أثره إلى الضد, وهكذا هو الاغتصاب.
فاغتصاب نساء الخصوم أثناء المعارك أو بعد الغزو أو الاحتلال أحد أقدم الأسلحة السياسية, وكان يمارس علانية بحيث توزع نساء المهزومين سبايا على المنتصرين.
وإذا كان شيئاً من اللجم لهذه الممارسة قد وجد طريقه إلى التشريعات الدولية باسم حقوق الإنسان وحقوق المرأة, فإن حكمة القادة الكبار ذوي الطموحات الكبيرة عبر تاريخ البشرية كانت سباقة لإدراك ضرر هذه الممارسة المؤكد على نجاح مشاريعها الطموحة تلك.
ومن هؤلاء الإسكندر المقدوني الذي عمد إلى عكس هذا تماماً, إذ اشترط على جيشه بناء جسور مودة مع شعوب البلاد التي غزاها, وزوج العديد من جنوده بنساء تلك البلاد ليستقر لهم المقام فيها وتتوحد الأرض الجديدة مع مقدونيا بتوحد الشعوب بما لا يقل عن النسب و"أبناء الحب" وليس الاغتصاب.. كما شدد غيره من قادة القبائل الغازية في تاريخ أوروبا القديم، العقوبة على المغتصبين من جنوده حتى وصلت إلى خصيهم علنًا.
ولأن الحقيقة لا يمكن أن تصدر الآن عن طرف عربي رسمي في أزمة وحرب الخليج, حيث إن إخفاء وتزوير وخلط الأوراق ما زال هو السائد, فإننا نورد ما تم تداوله شعبياً (وهو ما تقتنع غالبية الشعب الأردني بأنه الحقيقة ولا تقبل فيه جدال أحد) من أن الرئيس صدام أمر بإعدام حوالي عشرة من جنوده اتهموا بالقيام بأعمال اغتصاب عند اجتياح الكويت، وجعل مشانقهم أعمدة النور في الشوارع ليكونوا عبرة لغيرهم, مما أوقف أية ممارسة من هذا النوع.

وبغض النظر عمن سيؤيد أو يكذب هذه المعلومة أو أي تفصيل فيها, فإن تداولها بهذا الشكل يعكس اقتناعا شعبيا بأن القادة العظام لا يهبطون إلى هذا السلاح من جهة, ومن جهة تكتيكية عسكرية محضة هذه الرواية تعكس اقتناعا عاما بأن مثل هذه الممارسة هو بداية النهاية للمحتلين أو الفاتحين أو المحررين أو الموحدين، ولا تهم التسميات التي تتنوع حسب وجهات النظر أو المصالح.
فالحديث هنا عن ممارسة متوقعة في كافة الحروب بما لا يقبل معه زعم أن القيادات غافلة عنه.. أي بما لا يقبل أن لا تحمل القيادات وزرها, خاصة إن تفاقمت كما يجري في العراق الآن, وكما جرى في البوسنة ورواندا وبوروندي وغيرها.
بل إن أحد أهم أسباب فصل باكستان عن الهند (وهذا تؤكده روايات لتجارب شخصية لمن عايشوا تلك الحقبة) كان حملات الاغتصاب المتبادلة التي مورست بين المسلمين والهندوس, بتخطيط أو غض طرف أو لا مبالاة من جانب المحتل الإنجليزي.
والطريقة نفسها ستكون هي السبب الرئيس في أي فصل أو "تخصيص لوضع" إقليم دارفور في علاقته مع السودان.. كما أن أحد أهم أسباب الثورة الأيرلندية على الاحتلال الإنجليزي كان استمراء القادة العسكريين الإنجليز (وهم من النبلاء لأن الكليات العسكرية ومثلها كليات القانون والطب كانت حكراً طبقياً عليهم حتى أوائل القرن العشرين) ممارسة الاغتصاب المنظم بزعم أحقيتهم بكل عذراء أيرلندية ليلة عرسها.
وهذا أهم المسكوت عنه الذي يفسر عنف الجيش الأيرلندي وعملياته التي استهدفت مدنيين بريطانيين بلا تمييز, والذي حرصت أجهزة الإعلام الأنجلو أميركية بالمقابل على أن تصل أنباؤه وحده للعالم.
كما يفسر الاستماتة في النزعة الاستقلالية عن التاج البريطاني لقرون متواصلة وصولاً إلى الاتفاق الأخير الذي لا نعتقد أنه نهائي, بل نعتقد أن مشروع أوروبا الموحدة ساهم في إحلاله بأكثر مما ساهمت أميركا, لكون الأول وفر باباً -وإن كان موارباً أكثر منه مفتوحاً إلى الآن- لقبول وحماية الشعوب والإثنيات الأصغر الخارجة من تحت عباءات "الإمبراطوريات"!!
وتلك كلها شواهد من التاريخ تظهر اختلاط التخطيط مع الجهل واستمراء الرخصة غير الأخلاقية, في استسهال توظيف سلاح حده الثاني أمضى من حده الأول, لمن يعرف.. ولكن أميركا هي أكثر الإمبراطوريات جهلاً على امتداد التاريخ, بل تكاد تكون الإمبراطورية الوحيدة المفتقرة لأية سمة حضارية.

فهي أقرب لساحة واسعة اختلطت فيها "خردة" أوروبا ببعض تحفها التي وضعت في غير مكانها لسبب أو لآخر, بالكثير من الآليات الحديثة الكبيرة التي طحنت المكونين دونما تمييز!!
والأدهى أن من يقود الدب الأميركي في منطقتنا, وفي أكثر من بقعة هامة في العالم, كائن مشوه غير طبيعي وغير شرعي الولادة ولا سليم النمو, وهو إسرائيل.. تلك الدولة التي لم تنشأ طبيعية بل ولدت في غرفة حقيرة معتمة (كما ولدت "قلعة" كافكا) من فكر مريض بعقدة الاضطهاد الذي أصبح سلاح ذلك المولود الخاص ذا الحدين.
وقد أثبتت الوثائق التي تسربت في وقت مبكر من غزو أميركا للعراق, أن "خبراء" إسرائيليين خططوا لعملية التدمير هذه لكل ما يمت بصلة لحضارة العراق, ونصحوا بالاغتصاب المبرمج كأحد أهم وسائل التعذيب للعراقيين رجالاَ ونساء, في استثمار مريض لمفاهيم "الشرف" عند العرب!!
وفي هذا الاعتراف بأهمية "الشرف" عند العربي, اعتراف ضمني بضعف أو غياب مفهوم الشرف ذاك عند هؤلاء المخططين. ومن هنا جاء التوظيف الأهوج خالياً من المعرفة, فانقلب السلاح على حده الآخر!!
أبيات الشاعر العراقي "مظفر النواب" في وصف القدس بأنها عروس العروبة المغتصبة تحت سمع وصمت أهلها, كانت في البداية صادمة لأكثر من قارئ يتوقع الرقة في الشعر.. ولكنها كانت الأبيات الأكثر أثرا في الشارع العربي بلا تمييز.
وغدا مظفر النواب ضمير الأمة الناطق بكل المسكوت عنه باسم العيب أو الإنكار الذي يقول الأطباء النفسيون إنه يسم مرحلة بداية الصدمة, في حين أن الاعتراف هو بداية العلاج .. وقد اعترفت الصبية الجميلة "صابرين" كما اعترفت التركمانية ذات الخمسين عاماً أم الأحد عشر ولداً, والتي تبدو في السبعين أو أكثر!!
ولسوء حظ أميركا وأعوانها في العراق الذين وزعوا الأوسمة على المغتصبين, وأتباعها في المنطقة الذين شيدوا لها سجوناً لتعذيب واغتصاب مدفوعي الأجر(وهي حتماً مهنة ومصدر دخل أسوأ من إدارة بيوت مشبوهة), كان أول من استجاب لاستغاثة المغتصبات هو "القاعدة" التي أعلنت عن تطوع المئات للموت في عمليات تستهدف الثأر من مغتصبي الأرض والعرض, و"الجيش الإسلامي" المقاوم الذي أعلن عن تشكيل كتيبة "المعتصم" ومهمتها الحصرية هي الانتقام لأعراض العراقيات والعراقيين. أي أن الرد أو "الراية" بالأحرى تلقفتها تنظيمات مسلحة "إسلامية".

وبغض النظر عمن سيتوالى على الساحة من بعدهم فإن الكسب السياسي والإعلامي الأكبر حاز عليه التنظيمان لحظة تقدما لشغل مكان "المعتصم" الشاغر منذ أمد, بكل ما يعنيه هذا للوجدان الشعبي العربي, وبكل ما يحققه هذا من إعادة تمحور المقاومة العربية حول العراق, ليس كضحية أخرى فحسب بل ومرة أخرى كمنقذ للأمة الصارخة في البرية لحينه!!
أميركا "المعنية جداً" بجرائم الشرف في بلادنا باعتبارها الجريمة الوحيدة التي ترتكب بحق الشعوب التي اختُصرت (بضم التاء) - في تواطؤ عجيب مع أنظمة حكم عربية " بطركية" بكل معنى الكلمة السياسي والجنسوي- في نسائها (حاشاكم الله) , تورطت هي وأعوانها وأتباعها في أكبر جريمة شرف في التاريخ.
وبالذات حيث "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يسال على جوانبه الدم"!!
ولانشغال أميركا "بالجندر" الذي لم تكن له أولوية عند الشعوب العربية حتى تساوى رجالها مع نسائها في التعرض للاغتصاب المبرمج, فهي لم تتوقع وربما لم تدرك جيداً بعد, أن الدم الذي سيسال هذه المرة رداً على جرائم الشرف هذه, هو دم المغتصبين وليس دم الضحايا، وأن يتحول رجال "القاعدة" حلفاء طالبان -التي كانت تقمع النساء وتعدمهن في استعراض على الأستاد الرياضي- إلى منقذي النساء من الجنود الأميركيين ومن مليشيات أعوانها الذين نصبتهم وأسمتهم حكومات ومجالس نيابية وأحزابا سياسية!!
على المدى القريب كل أهل المنطقة المجروحون في شرفهم سيرحبون بالتحول الدموي.. وعلى المدى المنظور, ستتصاعد العمليات ضد مصالح أميركا وحلفائها خارج حدود العراق, لأن رد الفعل سيتسبب في فائض في الإنتاج لا تستطيع السوق المحلية استيعابه كله.ولأن الصمت الغربي والعربي الذي راهن على صمت الضحايا, بات يجسد التواطؤ بشكله الفج الجارح الذي صوره مظفر النواب.. أما على المدى البعيد فإن "الديمقراطية" التي انتحلتها أميركا وكفرت بها القاعدة, ستكون ضحية هذا الانتحال الذي سقط وهذا التكفير الذي عاد وصعد.. مما سيزيد إنتاج العنف بما يدفع لمزيد من التصدير له!!.. بئست مشورة من لا شرف لهم, في شأن الشرف بالذات !!





المصدر: الجزيرة

ماذا حصل لاسرائيل؟: لم نعد نستطيع ان نجد رجلا مستقيما يتولي المناصب الرفيعة فيها



علي أي حال أنا، الذي لم أسرق أبدا، لم أخدع أي مؤسسة حكومية، لم اُقبّل أي امرأة بالقوة، لم أشوش أي اجراءات للتحقيق، لم أغش شركة تأمين ولم يقم احد بعقد حفلة لي بالاف الدولارات كي ربما اغلق له في وقت ما أي ملف. فأنا الغنمة السوداء في القطيع ـ فمن يمكنني أن أسرقه ومن يمكنني أن أخدعه؟ أنا مجرد محرر في صحيفة. ولكن لديّ أصدقاء ناجحين. وحياتي، وهم أيضا ليسوا مغتصبين، ولا سراقين ولا خداعين. إذن كيف يمكن أن يحصل أنه لا يمكن لنا أن نجد في اسرائيل وزيرا أو مفتشا عاما مستقيما تماما؟ ليس قليلا، ليس ربما، ليس علي شرط وليس في الزمن الاخير؟ مستقيم بالمبدأ. مستقيم كنهج. من البداية حتي النهاية. رجل مستقيم تماما. ر صديقي كان نائبا لمدير عام في شركة تكنولوجية دولية ضخمة، تحكم شخصيا بميزانيات بمئات ملايين الدولارات، والان هو مدير مصنع في الجنوب. لم يسبق للشرطة أن حققت معه، ولم تفتر عليه أي امرأة أنه أمسك بثديها، ولم يحصل أبدا أن اجروا له تفتيشا في بيته.ع هو صاحب مصنع يصدر بملايين الدولارات. لم يحصل أبدا أن اغلقوا له ملفا بسبب انعدام الادلة، وذلك لانهم لم يفتحوا له ابدا أي ملف علي الاطلاق. عندما وصل الي المحكمة، كانت هذه في محاولة لاقناع دائرة الاجراءات أن تجبي له ديون لزبائن لم يرق لهم الدفع. أ هو موظف كبير بما فيه الكفاية في ادارة بنك بما فيه الكفاية. لا أحد رشاه. وهو لم ييتز في أي مرة ذا دين او ذا قرض. الامتياز الوحيد الذي أعطاه ذات مرة كان عندما كنا نعمل معا في حظيرة الكيبوتس: ثلاث علب عسل لمشرف الحلال. مع ان البقرات تلقت غذاء حلالا للفصح كما ينبغي، ولكن من لم يكن يضع شيئا صغيرا للمشرف في صندوق سيارته كانت تثور عليه أحيانا مشاكل مع حليبه. د أيضا مدير مصنع (أنا حقا الغنمة السوداء). قبل ذلك أدار مصنعا آخر. المداخيل الوحيدة التي لا يبلغ عنها ضريبة الدخل هي هدايا عيد الميلاد التي يتلقاها من حماته الطبرانية. عندما خرج من المستشفي لم يحاول أن يثبت للتأمين الوطني بأنه يستحق اكثر من 50 في المائة عجز، عندما فقد قدرته علي العمل. الاخرق ببساطة عاد الي العمل.إذن حسنا، أنا حقا غير ملائم لمنصب كبير، هذا واضح، ولكن حقا ألا يمكن في كل هذه الدولة أن نجد رجلا مستقيما تماما لرئاسة الوزراء ـ شخصا ليست حوله أية شبهة، سواء أكانت مسنودة أم موهومة؟ ببساطة واحداً واضحاً أنه نظيف؟ لا يشتري صدفة منازل بسعر زهيد وعلي سبيل الخطأ يجبرونه علي بيعها بسعر عالٍ؟ ألا يمكن أن نعثر علي مرشح للمفتشية العامة ليست فيه اية شائبة ـ ليس كتلك التي شحبت وليس أيضا كتلك التي لا تزال تصرخ؟ الا يمكن تعيين وزير يعرف أنه محظور تلقي بطاقات لمباراة كرة القدم بالمجان؟ أو وزيرة لا تتلقي بالتوازي مع راتبها ايضا مخصصا لعدم القدرة علي العمل؟ ماذا حصل هنا؟ لماذا بات الكذب فجأة أمرا مسلما به. لن تقنعوني بان الجميع خداعون. أنا أعرف الكثير من الاشخاص الذين يمكنهم ان يحصلوا دون اي مشكلة علي شهادة حسن سلوك. ألهذا السبب لا يمكنهم أن يعينوا في مناصب رفيعة؟ ألهذا السبب فقط يوافقون علي أن يكونوا أصدقاء لتنبل مثلي؟
يهودا يعاري
كاتب يساري(يديعوت احرونوت)
27/2/2007
القدس العربي

عدالة

محكمة العدل الدولية تبرئ صربيا من تهمة ارتكاب ابادة في البوسنة

لاهاي ـ اف ب: برأت محكمة العدل الدولية صربيا امس الاثنين من تهمة ارتكاب ابادة خلال حرب البوسنة، لكنها اعتبرت انها انتهكت القانون الدولي لعدم تحركها بهدف تفادي وقوع مجرزة سريبرينيتسا. ووصفت المحكمة هذه المجزرة بأنها ابادة. وجاء في القرار الذي تلته رئيسة المحكمة روزالين هيغينز ان صربيا لم تتحرك بتاتا علي مستوي احترام موجباتها لتفادي وقوع ابادة (سريبرينيتسا) ومعاقبة (مرتكبيها) .كما ان صربيا لم تتعاون بالكامل مع محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة التي تلاحق المسؤولين عن المجزرة، حسب رئيسة المحكمة.

تحديد نسل



27 February, 2007

كليو ـ مصر و ليز ـ باترا


صبحي حديدي

في الموقع الرسمي لجامعة نيوكاسل البريطانية، علي شبكة الإنترنيت، نقرأ النصّ التالي: أنتوني وكليوباترا لم يكونا ذلك الجنرال الوسيم وتلك الملكة الجميلة كما أرادتنا هوليود أن نعتقد، وذلك طبقاً للخبراء في جامعة نيوكاسل، الذين درسوا عملة رومانية تصوّر أحد أكثر الأزواج الرومانتيكيين مأساوية في التاريخ .
وهذا استهلال عجيب بالفعل، إذْ يحيل إلي هوليود للتعليق علي مادّة يُفترض أنها تاريخية وعلمية وأركيولوجية، خصوصاً وأنّ التقرير الجامعي هذا يذهب أبعد في تفنيد الصورة الهوليودية فيضيف أنّ العملة تُظهر كليوباترا ذات جبهة ضيقة، وأنف طويل معقوف، وشفتين مزمومتين وذقن ملتوية للغاية .
وأخيراً، تصرّح لندسي ألاسون ـ جونز، مديرة المتاحف الأثرية في الجامعة، أنّ الصورتين علي العملة أبعد ما تكونان عن ريشارد برتون وإليزابيث تايلور! ورغم أنّ قطعة واحدة تظهرها غير جميلة، أو حتي دميمة، لا تطمس صورتها المخلّدة في مئات الوثائق الأثرية، من التماثيل إلي الأختام إلي واجهات المعابد، فإنّ هذه الضجة الجديدة التي أثارتها الجامعة البريطانية تعيدنا مرّة أخري إلي الجاذبية الفريدة التي اكتنفت شخصية الملكة المصرية الشهيرة، وما اقترن بحال الافتتان تلك من سلسلة تناقضات.
قاموس هالويل وصفها بـ أكثر النساء مكراً في التاريخ ، وشروحات أخري قالت إنها نسق متكامل من الحكمة النسوية، وموضوع جنسي محض، وعاشقة صادقة رقيقة أحبّت وأفنت نفسها في سبيل مَن تحب، وأميرة شجاعة وطنية، وحاكمة طاغية، وطفلة عابثة، وأنثي عتيقة كالخطيئة..
.لكنّ كليوباترا السابعة لا تنأي كثيراً عن ذلك الوصف البليغ الذي أطلقه الشاعر الفرنسي الرومانتيكي تيوفيل غوتييه سنة 1845: لم تنجب الأرحام امرأة أكثر كمالاً... إنها أكثر النساء امتلاكاً للمعني النسوي، وأكثر الملكات تجسيداً لمعني أن تكون المرأة ملكة. إنها جديرة بتمعّن عميق، فهي المرأة التي عجز الشعراء عن إضافة جديد علي ماهيتها، وهي التي يلاقيها الحالمون في النقطة القصوي من أحلامهم .
وهذا، بالطبع، وصف لا ينجو جزئياً من عقدة رفع كليوباترا إلي مصافّ فائقة، تختفي في طيّاتها الأعمق تلك الفكرة المحورية التي هيمنت علي تسعة أعشار نماذج تصوير أهل الغرب لأهل الشرق: ترقية الأنثي الشرقية إلي مصافّ حسّية شهوانية أو رومانسية طهرانية، عابرة للخصال الإنسانيّة والبشرية المحضة. وأمّا الأوصاف الأخري التي لا تنجو البتة من هذه العقدة، بل علي العكس تنطلق منها جوهرياً، فإنها تذهب مذهب الكاتب والشاعر الإيطالي جيوفاني بوكاشيو الذي قال، في أواسط القرن الرابع عشر، إنّ جسد كليوباترا اكتسب نعومته من لذائذ كبري، واعتاد علي أرقّ الاحتضان، فكان طبيعياً أن يعانقها في النهاية ثعبان قاتل .
وبين أفضل المراجع عن موقع كليوباترا في المخيال الغربي، هنالك كتاب ماريا وايك عشيقة الرومان: تمثيلات عتيقة وحديثة ، مطبوعات جامعة أوكسفورد، الذي يناقش علي نحو معمّق فكرة الأنثي التي يلتقيها الرومانيّ الفاتح هنا وهناك في أمصار الإمبراطورية، فيتخذها عشيقة ويكون لها أدوار سياسية أو ثقافية في حياة الإمبراطورية. وترصد وايك تمثيلات هذه المرأة ـ العشيقة كما انعكست لاحقاً في المجتمعات الإيطالية والبريطانية والأمريكية، وكما أخذت تتجلي في مختلف أشكال الثقافة الشعبية، أي في السينما والمسرح والتلفزة والإعلان. كذلك تتوقف بالتحليل عند النماذج التي رسّخها في الذائقة العامّة عدد من الشعراء في العصور القديمة، أبرزهم ثلاثي المراثي بروبرتيوس وتيبولوس وأوفيد، حيث تنقلب مرثاة العشيقة إلي مديح مبطّن للإمبراطورية والتفوّق الذكوري في آن.
وهكذا فإنّ من الطبيعي أن تحظي شخصية كليوباترا بحصّة وافرة في هذا النوع من النقد الثقافي العميق الذي انكبّت عليه وايك، خصوصاً في تنقيبها عن الرسائل الخافية في عشرات الأمثلة، وأشهرها ربما شريط هوليود الشهير الذي أخرجه جوزيف مانكفيتش واستحقّ بالفعل لقب ليز ـ باترا نسبة إلي ليز تايلور. قبله شاهدنا ملكة مصر في دور فاسقة قاتلة (تمثيل كلارا باو)، وماجنة شريرة انتهازية (كلوديت كولبرغ)، وبغيّ في إهاب ملكة (روندا فلمنغ)، فضلاً عن صوفيا لورين في بدء صعودها، وليلي لانغتري، وسارة برنار...
وبالطبع، كان لا بدّ من تمثيل كليوباترا في صورة مصاصة دماء الرجال، الفيلم الصامت الذي أنتجته شركة فوكس سنة 1917 ولعبت فيه دور البطولة ثيوديشيا غودمان، التي اتخذت لنفسها اسم Theda Bara، الجناس الذي إذا قُلبت حروفه فإنه سيشكل عبارة الموت العربي ، مع تصرّف طفيف في تبديل موقع حرف واحد. والتأويل هذا ليس من عندنا، لمن يهمّه الأمر، بل هو راسخ في المعاجم والموسوعات الغربية.وهكذا، ولأنّ الشرق انقلب إلي رغبة متخيَّلة، في هيئة امرأة متخيَّلة تجري إعادة تمثيلها بحيث تشبع رغائب مَنْ يتخيّلون، فقد توفرت عشرات الـ كليوباترات الغربية، حسب الراغبين والرغائب، في كلّ عصر وحقبة، ولكلّ جيل وذائقة.
ليس عجيباً، إذاً، أن تكشف جامعة نيوكاسل النقاب عن القطعة النقدية المعجزة في يوم عيد الحبّ تماماً، 14 الماضي، عن سابق قصد وليس بالمصادفة؛ وأن يتعالي في الغرب كلّ هذا الضجيج حول اتضاح الفارق الجمالي بين ليز ـ باترا الهوليودية الغربية، و كليو ـ مصر التاريخية الشرقية!0.

25 February, 2007

.... يا مدير الكهرباء!



قبل فترة قرأت تصريحات صحافية لعطوفتك في جريدتنا; جاء فيها ان الكهرباء الأردنية ستصل الى اريحا, فتذكرت مباشرة دريد لحام في مسرحية كاسك يا وطن (الكهربا وصلت لقفاي قبل ما تصل لضيعتنا)!!
ولكن المثال هنا معكوس تماماً ; فالكهرباء الاردنية, ستصل الى اريحا, وهي لم تصل بعد لبيتي في وسط عمان!انا يا سيدي اسكن في " ام نوارة " وهي بالمقاييس الجغرافية قريبة جدا من وسط العاصمة, ولكنني منذ سكنت قبل حوالي سنتين وانا بلا كهرباء, وقد تطوع احد الجيران وأمدّني بسلك استعين به على العتمة, ولأن الضغط على عداد الكهرباء صار مضاعفاً فقد خسرت جهازي كمبيوتر احترقا بفعل انقطاع مفاجىء, وثلاثة (رسيفرات), وخلال عشرات المراجعات لشركة الكهرباء في " القويسمة " لم نحظ بأي رد مقنع, فالمسؤولون هناك يقولون ان المنطقة بحاجة الى محول جديد, لخدمة عشرات البيوت التي تعاني من نفس الوضع.
متى يتحقق حلم المحول الجديد? لا احد يعرف!المفارقة يا عطوفة المدير أن المسافة بين بيتي و أبعد عمود كهرباء لا تتجاوز 20 مترا فقط!!كما ان المياه وشبكة الهواتف والطرق المعبدة كلها متوفرة وعلى عتبات البيوت.
فما الذي يحول دون توصيل الكهرباء لهذا الحي? وكيف ستصل كهرباؤكم الى اريحا وهي لم تصل لمناطق تبعد عن وسط العاصمة خمس دقائق فقط?!بصراحة انا لم أراجع شركة الكهرباء منذ عدة شهور, لأن طبيعة الردود التي نتلقاها من موظفيكم هناك محبطة, ومستفزة, وغير لائقة, هذا ان وجدوا وقتاً للرد.
ثم ان البعض يتداولون اشاعة مفادها ان المحول في حال تركيبه سيتقاسم السكان دفع ثمنه! وسؤالي: ما هي علاقة السكان? اليس من حق اي مواطن ان تصله الكهرباء ومن واجبه ان يدفع بعد ذلك الرسوم والاتعاب والفاتورة الشهرية ولكن ما ذنبه هو في حال عدم وجود محولات لدى الشركة? نتمنى ان نسمع رد عطوفتكم, رغم ان بعض السكان اشتكوا قبل ذلك في الصحف ولم يعرهم احد اي اهتمام!.
ابراهيم جابر ابراهيم

كرامة مصر المهدورة




مصر الكنانة مشغولة هذه الايام بقضية مصيرية تهدد مستقبلها وكيانها، واجيالها الحالية والمقبلة، وهي قضية مذيعة تلفزيونية في قناة عربية متهمة بفبركة برنامج عن الدعارة في مصر، من خلال دفع مبالغ لفتيات عاديات للقيام بدور الداعرات بعد ان تعذر عليها الإتيان ببنات هوي حقيقيات .
واعتبر الكثير من الاقلام المصرية الخوض في مثل هذه المواضيع اهانة لمصر وتشويها لصورتها، وطالب بالحديث عن الدعارة في بلد القناة الفضائية التلفزيونية المذكورة اي المملكة العربية السعودية كرد اعتبار لكرامة مصر وشرفها.
اختصار كرامة مصر، وشرفها، في قضية ملفقة، يتناولها برنامج تلفزيوني يتعمد الاثارة، ومخاطبة الغرائز، في استجداء مسف لجذب اكبر عدد من المشاهدين، هو أحد مؤشرات الانحدار الذي وصل اليه هذا البلد العظيم هذه الايام، ويبدو انه انحدار بلا قاع فعلا.
ما يشوه مصر وصورتها وتراثها الحضاري العريق، ليس وجود منحرفات فيها، فلا توجد مدينة فاضلة في العالم محصنة من مهنة الرذيلة، وانما تحول هذا البلد الرائد الي كم مهمل، بدون اي دور فاعل في محيطه، يعشش الفساد في قمته، وتحكمه مجموعة من المنحرفين وطنيا واخلاقيا، تنهب ثرواته في وضح النهار، وتعيش عالما خاصا بها يعزلها كليا عن السواد الأعظم من الشعب الذي يكدح من أجل لقمة عيش شريفة كريمة، وبالكاد يجدها.اربعة تطورات رئيسية وقعت في الاسابيع القليلة الماضية تكشف عن مدي تآكل الدور المصري واقترابه من درجة الصفر تقريبا، يجب ان تثير قلق النخبتين السياسية والاعلامية: الاول
: اتفاق مكة الفلسطيني الذي رعته المملكة العربية السعودية، وانتزعته من قلب دائرة النفوذ المصري، فمصر التي قدمت آلاف الشهداء من أجل القضية الفلسطينية، عمق أمنها القومي، ورعت اشهراً من الحوارات بين اطراف الخلاف الفلسطيني، وجدت نفسها مهمشة كلياً، لتأتي المملكة العربية السعودية وتحصد ثمار جهودها في غمضة عين.
الثاني: اعتماد الادارة الامريكية الاردن، وليس مصر، كمحور ارتكاز لتحركاتها في المنطقة.
فقد شاهدنا الرئيس جورج بوش يختار العاصمة الاردنية للقاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وتابعنا كيف حرصت السيدة كوندوليزا رايس وزيرة خارجيته علي لقاء قادة مخابرات اربع دول عربية هي مصر والاردن والسعودية والامارات في العاصمة الاردنية نفسها للمرة الثانية لتنسيق مواقف دول (محور المعتدلين) وتحركاتهم تجاه الملفين العراقي والايراني.
نفهم ان تسرق المملكة العربية السعودية دور مصر الاقليمي، فهي تستضيف اقداس المقدسات الاسلامية علي ارضها، علاوة علي دخل نفطي يفوق المئتي مليار دولار، ولكن ما لا نفهمه ان يتقدم الاردن البلد الصغير الذي يعتاش علي المساعدات الامريكية، علي مصر الدولة الاقليمية المحورية في العلاقات مع الولايات المتحدة، فهذا يعني نجاحا لافتا للدبلوماسية الاردنية، وفشلا مخجلا للدبلوماسية المصرية، مع ان البلدين حليفان رئيسيان لواشنطن، وموقعان علي معاهدات سلام مع اسرائيل، ويتلقيان مساعدات امريكية سنوية.
الثالث: ان تغيب مصر عن قمة دارفور التي رعتها القيادة المصرية، وهي قمة تبحث اوضاعاً ملتهبة في منطقة سودانية تقع علي حدود مصر، ويمكن ان تنعكس التطورات فيها، سلما او حربا علي المصالح الاستراتيجية المصرية، وربما الأمن الداخلي المصري ايضا.فعندما يتم تجاوز مصر في الملف الفلسطيني، وتتحول الي دولة تابعة ثانوية في الملفين العراقي والايراني، وتتغيب بدون اي تفسير منطقي عن الملف السوداني الذي يشكل عصبا رئيسيا لقوت سبعين مليون مصري (الشراكة في مياه النيل) فان هذا يعني ان هناك خللا كبيرا يتفاقم ويهدد حاضر هذا البلد ومستقبله.
الرابع: استضافة باكستان يوم غد اجتماعا لوزراء خارجية سبع دول اسلامية سنية رئيسية هي مصر والسعودية وتركيا وماليزيا واندونيسيا والاردن، علاوة علي الدولة المضيفة لبحث القضية الفلسطينية، والتطورات الاخري في العالم الاسلامي مثل التمدد الشيعي ـ الايراني. وهذا المؤتمر الذي سيمهد لعقد اجتماع علي مستوي القمة لزعامات الدول نفسها هو تجاوز اشد خطراً علي دور مصر، واستيلاء علي مرجعيتها السنية الاسلامية، بعد ان تم تهميش مرجعيتيها العربية والافريقية.فباكستان ليست معروفة بدورها كمرجعية للاسلام السني، ولا يوجد فيها الازهر الشريف، ولم تكن في اي يوم من الايام عاصمة لأي امبراطورية اسلامية، ولم ينطلق منها صلاح الدين الايوبي والسلطان قطز والظاهر بيبرس للتصدي للصليبيين وتحرير القدس.المسؤول عن حدوث كل هذه التجاوزات والتراجعات هو الذي يسيء الي سمعة مصر، وينهش كرامتها، ويستبيح شرفها، وينتهك عرضها، وليس مقدمة برامج، ما كان لها ان تصل الي ما وصلت اليه لولا ضياع البوصلة السياسية والأخلاقية في بلدها، وسيادة السخافة والتسطيح في معظم اوجه الحياة فيها، وخاصة مواطن الابداع في مختلف فروعه، والثقافة علي وجه الخصوص.نكتب عن مصر لانها القاطرة التي يمكن ان تقود المنطقة الي بر الأمان، ولكن عندما يغيب الربان الذي يستحق قيادتها، ويملك المؤهلات اللازمة، ويجعل من مصالح شعبها، الفقراء قبل الاغنياء، قمة انشغالاته وهمومه، فان حالها، والأمة الاسلامية من بعدها، تصبح علي الدرجة من الانهيار التي نراها حاليا.قلناها في الماضي، ونكررها، وهي ان السمكة تخرب من رأسها ، ومن المؤسف ان الكثيرين في مصر العزيزة ينشغلون بالذيل، ولا يقتربون مطلقا من الرأس.
مصر بحاجة الي قيـــــادة شابة تنهض من قلب المعاناة، تهدم كل ما هو قائم وتعيد البناء علي أسس جديدة مـــن الشفافية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان، والديمـــقراطية الحقة. قيادة تعيد لمصر دورها الريادي الحقيقي، وكرامتها المفقودة، ومكانتها التي تستحقها.
فلسطينه - اين الكرامه والتحدي والشهامه العربيههناك رئيس ما زال الطمع في تسلطه. الى متى سيترب على الحكم؟ حركة كفايه قالت كفى, وايضا شباب مصر , المشكله نريد جمال عبد الناصر. اقول للرئيس كفى وما شاهدتوه من اعلاميه عن الدعاره فهي غير مخطئه افلا ننسى قبل سنوات قليله القى الامن العام المصري اكبر عماره للدعاره اعني مكان للرجال فقط الشذوذالجنسي. مصر ليس كما عاهدناها. حقيقه مره وبشعه اما( فلسطين)؟؟
مصر وكل الملوك والرؤساء العرب فهي كلاما فقط حتى انهم يخافون من امريكا وطبعا الصهيونيه المسيحيه بارسال المساعده للشعب الصامد شعب فلسطين الصامد يحمي اول القبلتين المسجد الاقصى فهم دول الاعتدال مصر المتفرجه والاردن اللتي كذبت بتهيريب السلاح لحماس حتى تمنعها من زيارة الاردن اما السعوديه فتعودنا على دور امريكا هناك ولكن اتمنى من السعوديه تنهض يوما اما دول الخليج فاطلب منهم المليارات الدولارات التي ترميها في البحر الاسلحه التي تصدي فحاربي بها العدو وحرري مسجد الاقصى ان كنت تعرفي الله ورسله . فكل سنه اصبحت السلاح اكبر ما يتصوره العقل, ولكن لماذا؟ للحرب مع جيرانها فكفى امريكا تحكمكم يا اخواي يا ملوكنا ويا رؤسائنا فالشعب يقل لكم كفى فباوحده العربيه والاسلاميه نقضي على عدونا وتعود كرامة العرب فالله سبحانه اعطانا اكبر سلاح فالنفط و و... و... فاتحدوا
عبد الباري عطوان

22 February, 2007



رايس والمخابرات العربية


رايس والمخابرات العربية
عبد الباري عطوان
22/02/2007

نفهم ان تلتقي السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية بنظرائها وزراء خارجية دول حلف المعتدلين أو حتي قادة هذه الدول، ولكن ان تجتمع مع رؤساء اجهزة امن ومخابرات اربع منها مباشرة فهذا امر يبعث علي الحيرة والقلق معاً.فالقواعد المتعارف عليها في العلاقات الدولية هي ان يلتقي الحلفاء علي مستوي القمم او وزراء الخارجية، ويتفقوا علي خطوات امنية او سياسية معينة، ويتم بعد ذلك قيام هؤلاء باصدار التعليمات الي قادة الأجهزة الأمنية في بلادهم من اجل اجراء اللازم، ولكن ان تهمل السيدة رايس هذه التقاليد والاعراف، وتلتقي بقادة الأجهزة الأمنية في السعودية ومصر والاردن والامارات مباشرة فهذه ظاهرة غير مسبوقة، وتكشف ان اجهزة الاستخبارات والامن العربية باتت مرتبطة بشكل مباشر بالادارة الامريكية.
ومما يثير الاستغراب، محاولة السيدة رايس وادارتها استغبائنا كعرب، والتعامل معنا كأننا اطفال رضع، عندما قال احد مساعديها ان الغرض من هذا الاجتماع هو بحث تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
اي ان المجتمعين يبدون حرصاً علي القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ويريدون تشكيل حكومتهم بأسرع وقت ممكن.الاجتماع لم تكن له أي علاقة بالقضية الفلسطينية، وإنما بالتحضيرات الامريكية الحالية لضرب ايران، وتعميق الفتنة الطائفية، وتصعيد العداء بين الشيعة والسنة.
وإذا كانت هناك علاقة فعلية لهذا الاجتماع بحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، فهي في كيفية افشالها، أو الضغط علي حركة حماس للتجاوب مع الشروط الامريكية ـ الاسرائيلية بالاعتراف بالدولة العبرية، ونبذ الارهاب والالتزام باتفاقات اوسلو.ان اختيار قادة مخابرات هذه الدول الأربع من بين ثماني دول هي مجموعة دول حلف المعتدلين يوحي بانها، اي الدول الاربع، ستكون نقطة الارتكاز الرئيسية في الاستراتيجية الامريكية العسكرية ضد ايران في حالة اللجوء الي الخيار العسكري لتدمير البرنامج النووي الايراني وكبح جماح حلفاء ايران في العراق وربما انهائهم.الادارة الامريكية نجحت في تحويل العراق الي منصة لتصدير الفتنة والحروب الطائفية الي دول الجوار، ومن المؤسف ان حكام العراق الجديد قد لعبوا دوراً كبيراً في انجاح هذا المشروع الجهنمي عندما سقطوا في مصيدة الطائفية، وأقاموا فرق الموت والميليشيات المذهبية، وتصرفوا بعقلية الانتقام والثأر والأحقاد الدفينة.
فلم يكن من قبيل الصدفة ان تغض القوات الامريكية النظر، وعلي مدي السنوات الاربع الماضية من عمر الاحتلال عن فرق الموت وجرائمها، والميليشيات الطائفية وتجاوزاتها ومجازرها، والاختراقات التي نجحت في تحقيقها لقوات الامن والحرس الوطني.
كما انه لم يكن من قبيل الصدفة ايضاً ان تسلم الادارة الامريكية الرئيس صدام حسين الي هذه الحكومة الطائفية لتنفيذ حكم الاعدام بالصورة المخجلة والمهينة التي شاهدناها وفي يوم عيد الاضحي المبارك.هناك جهات تخطط لتعميق هذه الفتنة الطائفية وصب الزيت علي نارها، لتزداد اشتعالاً، وتوظف خبرات عريقة في هذا الاطار، تفهم جيداً النفسية العربية، وتدرك بوعي وخبث كيف تلعب علي الوتر الطائفي، والنتائج الكارثية المترتبة علي ذلك.وكان المأمول ان تدرك ايران الدولة، وادمغتها السياسية المشهود لها بالذكاء ابعاد هذا المشروع الامريكي، وتضع استراتيجية مضادة له، ابرز اسسها كبح جماح الاحقاد الطائفية لحلفائها في العراق الجديد ، ودفعهم للتعامل بصورة اكثر عقلانية مع اشقائهم من الطوائف والاعراق الاخري، ولكنها للأسف لم تفعل، بل تعاملت بمنطق المنتصر المتشفي الشامت، الامر الذي انعكس سلباً علي مكانتها في العالم الاسلامي.
ففي ظل نشوة الاحتفال بسقوط نظام البعث في العراق علي ايدي الغزاة الامريكيين ممثلي الشيطان الاكبر ، نسي الاشقاء في ايران حقيقة اساسية، وهي ان الشيعة قد يكونون اغلبية في العراق، ولكنهم يظلون اقلية علي مستوي العالم الاسلامي، وهي المعادلة التي التقطها مروجو الفتنة الطائفية في الادارة الامريكية، ويريدون استخدامها بفاعلية ضد ايران، وحلفائها في العراق الجديد .حالة الاستقطاب الطائفي دخلت مرحلة اكثر خطورة في الايام الاخيرة، لأنها لم تعد مقصورة علي الجوار العربي للعراق، وانما الي الجوار الاسلامي لايران ايضاً. بحيث تصبح ايران محاصرة بالمربع او المثمن السني وفقاً للمخطط الامريكي الأحدث، تحت ذريعة خطر طموحاتها النووية علي المنطقة.
فالاستعدادات تتواصل الآن علي قدم وساق لتوسيع نطاق تحالف المعتدلين العرب، بحيث يصبح تحالف المعتدلين السني الاسلامي. فقد تبين ان جولة الرئيس الباكستاني مشرف الاخيرة في عدة عواصم اسلامية تسعي من اجل وضع اسس هذا التحالف الجديد، حيث من المقرر ان تستضيف اسلام آباد يوم الاحد المقبل اجتماعاً لوزراء خارجية سبع دول اسلامية كبري هي مصر والمملكة العربية السعودية والاردن وتركيا وماليزيا واندونيسيا للبحث في قضايا تهم العالم الاسلامي وعلي رأسها القضية الفلسطينية.
ومن المقرر ان يعد وزراء خارجية هذه الدول لقمة لرؤساء دولهم في مكة المكرمة بعد ايام معدودة.فإذا كان هذا التحالف الاسلامي الجديد الذي يضم الدول السنية ذات الوزن الثقيل يهدف الي بحث القضية الفلسطينية، فلماذا لم توجه الدعوة الي سورية الدولة العربية التي ضحت كثيراً من اجل هذه القضية، وتتعرض اراضيها للاحتلال حتي هذه اللحظة من قبل اسرائيل؟ثم ماذا عن ايران، أليست دولة اسلامية يهمها حل القضية الفلسطينية ايضاً، ام ان وراء الأكمة ما وراءها، مثل القول بأن الاسلام السني هو وحده الحريص علي هذه القضية، اما الاسلام الآخر فهو غير معني بها؟ويظل سؤال آخر يطرح نفسه بإلحاح هو عن اسباب هذا الحماس المفاجئ لدي الدول السنية الاسلامية الرئيسية، تجاه القضية الفلسطينية وتوقيته، فلماذا لم تجتمع هذه الدول قبل عامين مثلاً، أو عشرة، وبالتحديد قبل بروز القلق الامريكي من البرنامج النووي الايراني؟
اننا نخشي ان نكون امام خديعة جديدة، تماماً مثل خديعة اسلحة الدمار الشامل العراقية، وتهديد نظام الرئيس الراحل صدام حسين لدول الجوار، وهي الخديعة التي ادت الي الغزو والاحتلال وخسارتنا العراق، وغرقنا في الحرب الطائفية والتطورات المؤسفة التي تشهدها المنطقة حالياً.بات المطلوب امريكيا الدخول في حرب جديدة ثانية ضد ايران وربما سورية، بعد الحرب الاولي ضد العراق، بغض النظر عن النتائج الكارثية لهذه الحرب علي المنطقة، ابتداءً من مقتل مئات الآلاف من الابرياء وانتهاءً بالتلوث النووي الناجم عن استخدام اسلحة نووية او تدمير منشآت النفط الايرانية.فإذا كانت هذه الدول السنية الاسلامية علي هذه الدرجة من الحرص علي الشعب الفلسطيني، فلماذا تسكت علي الحصار التجويعي الذي تمارسه واشنطن ضد هذا الشعب لأكثر من عام، ولا تتدخل من اجل وقف الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة عليه والتي تحصد ارواح الابرياء يومياً؟فالسيد توني بلير رئيس وزراء بريطانيا فاجأنا امس بتحذير مباشر الي ايران وسورية بالعزلة اذا لم تشجعا نشر الديمقراطية في المنطقة، وينسي السيد بلير الشريك الاكبر في المشروع الامريكي الطائفي، ان جميع دول تحالف المعتدلين العرب الذي يرعاه حليفه بوش تحكم بأنظمة دكتاتورية، مثلما ينسي ايضاً انها المرة الاولي في التاريخ الذي يحاصر فيها شعب ويجوع بسبب خياره الديمقراطي، وانتخابه ممثليه بالاقتراع الحر، ونحن نتحدث هنا عن الشعب الفلسطيني.انها لعبة امم جديدة، سيكون العرب والمسلمون هم الخاسر الاكبر فيها، مع فارق وحيد وهو ان الادارة الامريكية والدول الداعمة لها لن تخرج منها منتصرة.

21 February, 2007

لا يا سماحة الشيخ!



احسستُ بعمق الأسي وحدَته عند سماعي ما صرِح به سماحة شيخ الأزهر مؤخراً، والذي سبق أن قال الشيء الكثير فيما مضي وفي مناسبات عِدة تعارضت مع مشاعر الناس واحاسيسهم وفيها الخروج عن مكانته الدينية بعد أن وضع السياسة وألاعيبها ومناوراتها قبل الدين الحنيف الذي لا التواء فيه ولا تورية إلا أن ما قاله سماحته لا يمكن السكوت عنه بحكم منصبه لا شخصه، وأنظارنا دوماً تتجه نحو مصر الشقيقة الكبري عند كل ما تتعرض له امتنا من تحديات واستفزازات.
وما الشرقُ إلا اسرةٌ او قبيلةٌ تلُمُ بنيها عند كل مُصاب فالمسجد الأقصي في رأي سماحته هو مسؤولية فلسطينية وعليهم تقع مسؤولية الدفاع عنه.لقد أوصلنا سماحته في حديثه المشؤوم هذا الي قاع البئر، وما كنت اظن أن الانتهازية السياسية والانبطاح السياسي والنفاق السياسي قد وصلت به إلي هذا المستوي كان عليه أن يتصدي لكل ما أوتي من ايمان وقوة لا أن يضع رأسه كالنعامة في الرمل.
عيب يا شيخ! فما أنت رجل دين بل سياسي مراوغ حفاظاً علي مركزك وامتيازاته. ماذا ستقول سماحتكم لا ســـــمح الله لو قامت اسرائيل بهدم الأقصي أظن أنك ستلتزم الصمت لا أكثر!نسي أو تناسي سماحته أن الحائط الغربي للحرم الشريف هو جزء من الحرم الشريف الذي هو ملكٌ للمسلمين وليس للفلسطينيين.
صحيح أن أبناء فلسطين من طلابٍ وعمال وفلاحين وقادة أحزاب هبُوا في 23 آب (اغسطس) 1929 (ثورة البراق) لحماية الأقصي، فإذا كان علي رأس الجموع الحاشدة آنذاك الشيخ حسن أبو السعود، فها هو اليوم الشيخ رائد صلاح علي رأس المجاهدين من أجل الأقصي وحرمته.إن الاسلام دين تسامح ومحبه، ويعترف ويحترم الأديان التي سبقته بأنبيائها وأتباعهم، وكانت تجري في فلسطين في كل عام مواسم دينية في اطار من الاحترام للأديان دون هيمنة الواحد علي الآخر موسم النبي موسي وموسم اسبوع الآلام عند المسيحيين الشرقيين، وموسم المنطار في غزة، وموسم النمل في المجدل كلها تعود لعهدي صلاح الدين والمماليك وقد سُمح في عهد سليمان القانوني لليهود الفارين من اسبانيا والبرتغال باللجوء إلي طبريا وصفد وممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة وقد عبَرت تركيا صديقة اسرائيل وصديقة الأمة العربية عن عدم قبولها لما يجري من حفريات بجدار المسجد الأقصي.
فإذا كان يا صاحب السماحة طول حائط البراق 156 قدما وارتفاعه 56 قدما، وعندك لا طول له ولا ارتفاع فهو بطول الأمة العربية من محيطها إلي خليجها، وارتفاعه في انفس الشعب المصري العظيم أعلي بكثير من هرم خوفو.فالشعوب العربية والاسلامية تقول لا يا سماحة الشيخ، فالمسجد الأقصي الذي باركنا حوله ، هـــــو مسؤولية العرب والمسلمين من جميع انحاء المعمورة وفــــي مقـــــدمتها المحروسة التي نحبها أرضاً وشعباً، ونحــــترم قادة الفكر والسياسة والدين فيها بدءاً برأس السلطة السياسية إلي الفـــــلاح البسيط في قريته.
من أجل تذكير سماحتكم فلربما العمر قد خانكم أو أن الحياة بماديتها قد بهرتكم، ففي صيف عام 1930 وصلت لجنة دولية إلي القدس برئاسة قاضٍ سويدي وعضوية قاضيين هولندي وسويسري، وأصدرت اللجنة تقريرها ورفعته إلي عصبة الأمم واعترفت فيه بحقوق المسلمين في البراق الشريف وصحة ملكيتهم له ونفت مزاعم اليهود وما ادَعوه من حقوق لهم في البراق للمسلمين وحدهم (ولم يقل للفلسطينيين وحدهم) تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم الحق العيني فيه لكونه جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، للمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربه.... مؤسسة الدراسات بيروت 1968.
وكما اعتبر الملك عبدالله الثاني هذه الاجراءات انتهاكا صارخا لحرمة الأقصي وتهديداً لسلامته ، فإنني أقول لقطبي الصراع من أجل السلطة الوهمية الورقية بأن لا سلام بدون القدس، ولا دولة بدون القدس وكما قال الحسين رحمه الله الرمز الحقيقي للسلام هو القدس وعودتها عربية هو المعبر الوحيد لصدق الدَاعين إلي السلام في المنطقة .فالقدس مسؤوليتك يا سيدي، ومسؤولية المحروسة بقيادتها وشعبها وأحزابها وأقباطها ومسلميها هي مسؤولية الأردن ملكاً وحكومة وشعباً هي مسؤولية حامي الحرمين الشريفين هي مسؤولية الجمهورية العربية السورية قيادة وشعباً هي مسؤولية الجمهورية الايرانية الاسلامية هي مسؤولية العالم العربي والإسلامي علي حد سواء.
واستعيد قراءة ما قاله ابن مصر الشاعر أحمد شوقي، والحال هي الحال ولا حول ولا قوة إلا بالله تغير المسجد المحزون واختلفتعلي المتابر احرارٌ وعبدانُ فلا الآذان آذانٌ في منارتهاذا تعالي ولا الآذان آذان
د. جهاد البرغوثي
كاتب من فلسطين

الفلسطيني والبلغاريّات



أمّا الفلسطيني فهو الطبيب أشرف الحجوج، وأمّا البلغاريّات فهنّ الممرضات، والتهمة: حقن مئات الأطفال من مدينة بنغازي بفيروس الإيدز!
لماذا يحقن الطبيب الفلسطيني المولود في ليبيا، المتعلّم في ليبيا، والممرضات البلغاريات، الأطفال الليبيين بفيروس الإيدز؟!
هل لحقد شخصي علي أطفال ليبيا، أم تنفيذاً لمؤامرة (أجنبيّة) تستهدف مستقبل ليبيا ممثّلاً بأطفالها؟ من هي الجهة التي يمكن أن تقترف هكذا فعل؟ أمريكا أم (اسرائيل)؟
الجماهيريّة الليبيّة وبعد التخلّي عن برنامجها النووي، وشحن الأجهزة والمعدّات إلي أمريكا، لم تعد في حالة اشتباك مع الإدارة الأمريكيّة، بل حظيت ببعض الثناء علي سلوكها العقلاني الواقعي الحكيم. لم توجّه تهمة للكيان الصهيوني بالوقوف وراء الجريمة، فهل لبلغاريا، أو للطبيب الفلسطيني أغراض خافية، ولمصلحة من؟!
قضية الطبيب الفلسطيني، والممرضات البلغاريّات، استحوذت علي اهتمامي منذ سمعت بها قبل حوالي ثماني سنوات، وأعترف أنني للوهلة الأولي لم أصدّق التهمة الموجهة للطبيب والممرضات بتعمّد زرق الأطفال بدم ملوّث بفيروس الإيدز، لا لأن الطبيب أشرف الحجوج فلسطيني، ولكن لأن التهمة ينطبق عليها المثل الشعبي القائل:كيف عرفت أنها كذبة؟ قال:من كبرها ..وهذه التهمة كبيرة، لأن الطبيب والممرضات لا مصلحة لهم في قتل أطفال ليبيين، فالحجوج ليبي الولادة والنشأة والتعليم، والممرضات البلغاريات تغرّبن عن بلدهن التماساً للمردود المّادي لقاء عملهن في المستشفيات الليبيّة. أمّاالسبب الجوهري لعدم تصديقي هذه الحكاية الملفقّة، فهو معرفتي بالفوضي التي تتسبب بها (اللجان الشعبيّة ) في غياب المؤسسات، وتفشّي سياسة الارتجال التي تتيح لكّل جاهل، ومتلاعب فاسد، أن يتخطّي كل الأعراف والقوانين خدمة لمصلحته الأنانيّة، ووصوليته، وانتهازيته، وهذا يحدث في أي مكان في العالم إذا لم تتوفّر المؤسسات، والرقابة، وسيادة القانون، وحريّة الصحافة، وقدرة الشعب علي المعرفة والتدخّل دون خوف لحماية نفسه، وحقوقه، وممتلكاته العّامة .
أوّد أن أسأل الجهات المعنيّة في (الجماهيريّة): لماذا يوجد في (الأردن) البلد الفقير، الذي بلا ثروات، طّب متطوّر، ومستشفيات ربحيّة للقطاع الخاص، تتمتّع بسمعة عالية أساسها الأطبّاء الأكفاء المشهود لهم، والإدارة الجيّدة المعنيّة بتطوير عملها في مواجهة التنافس مع غيرها، مّما يشجّع عرب دول الخليج، واليمن ـ وهي خليجيّة ـ ومناطق السلطة الفلسطينيّة، علي الاطمئنان للعلاج في الأردن، وبما في ذلك المواطنون الليبيون ..ولا توجد مستشفيات، ولا مؤسسات طبيّة متطوّرة في ليبيا الثريّة، رغم مضي أكثر من 37 سنة علي ثورة الفاتح ؟!
ما تسمّي باللجان الشعبيّة تنتخب من بينها أشخاصاً يديرون المؤسسات، ومنها المستشفيات، وقد يتّم انتخاب (فرّاش)، أو أي شخص متواضع التعليم والمعرفة ليكون مديراً مشرفاً مقرّراً ..
ولكم أن تتصوّروا كيف ستسير الأمور بعدئذ!لقد سمعت كثيراً عن استيراد أجهزة طبيّة متطورّة، ولكنها تنسي أو تتناسي، عمداً، أولامبالاة، في المستودعات إلي أن تصدأ، وقد يتّم التعاقد علي غيرها، وهكذا تبدّد الأموال، وتتحوّل المستشفيات إلي أبنية مهجورة، بدون كفاءات طبيّة وإداريّة، وبدون تجهيزات، ومختبرات، وهذا ما يسهّل إرسال المرضي الليبيين للعلاج في (مصر) و(الأردن)، فتأملّوا وتساءلوا عن المستفيدين من تعطيل تطوّر المؤسسة الطبيّة، وتعثّر نهوض القطاع الصحي!
أشرف الحجوج والممرضات البلغاريات هم ضحايا الفساد، ومن تسببوا بإهمالهم في هذه الفاجعة، جعلوا من أشرف والممرضات كبش فداء، للتغطية علي اهمالهم وفسادهم.لو كان أشرف الحجوج والممرضات البلغاريّات أمريكيين، أو إنكليزاً، أكانوا يبقون في السجن كّل هذه السنوات، يتعرّضون للتعذيب، والامتهان لكرامتهم وآدميتهم؟!
لقد وصلتني رسالة من المحامية دارين الحجوج، شقيقة أشرف، المقيمة في هولندا، والمولودة في ليبيا، والرسالة مفعمة بالأسي، والمعلومات المخيفة عن أساليب وصنوف التعذيب التي مورست علي أشرف تحديداً كونه الطبيب، وأنا لا أستبعد أبداً أن يكون ما سردته دارين في رسالتها قد مورس مع أشرف، ففي بلاد العرب، دون استثناء، اعتدنا علي تصديق كّل ما نسمعه عن تعذيب من يقع في أيدي الجلاوزة بحجّة (حماية النظام)!
تكتب دارين أنهم ساوموا أشرف بأن يعترف بأنه تسبب والممرضات بإصابة أطفال بنغازي بالإيدز، حتي تتم تهدئة خواطر ذوي الأطفال والرأي العام في مدينة بنغازي، مع وعد بالإفراج عنه بعدئذ!الممرضات البلغاريات يدعمهنّ عدد من المحامين الذين وكّلتهم المجموعة الأوربيّة، بينما محامو أشرف وهم ليبيّون انسحب منهم ثلاثة لعدم حصولهم علي (أجورهم)، ولم يواصل الدفاع عن أشرف سوي المحامي السيّد التهامي التومي، وهو ليبي، وأسرة أشرف وقد نضبت ممتلكاتها عجزت عن دفع أتعاب المحامين، والمحامي السيّد التهامي لم يحصل سوي علي 3000 دولار منذ بدأ المشاركة في الدفاع عن أشرف عام 1999، ومع ذلك فهو تحمّل الكثير من منطلق التعاطف مع هذا الطبيب الفلسطيني التعس الحّظ، والذي وقع في براثن (جهات) لا تعرف الرحمة.بلغاريا لم تعد بلداً تابعاً للاتحاد السوفييتي، بلغاريا حاليّاً جزء من أوربة، وهي مستقوية بأوربة تملك القدرة علي خلق متاعب لليبيا هي في غني عنها.
لقد بدأ تشكيل لجان شعبيّة للدفاع عن الممرضات البلغاريات، وثمّة توجّه لرفع دعاوي قضائيّة دوليّة ضد ليبيا بتهمة تعذيب الممرضات، والحبل علي الجرّار... هذه القضيّة لمصلحة ليبيا أن تنتهي، وربطها بقضيّة السجين الليبي (المقراحي) المتّهم بتفجير طائرة لوكربي، أحسب أنه غير مجد...
مشكلة ليبيا ـ وهي مشكلة عربيّة مزمنة ـ وضع الشخص غير المناسب في الموقع غير المناسب له، لينجم عن هذه المعادلة وضع غير مناسب:فوضي وفساد، وسيادة النفاق والتزلّف والمراوغة والرشوة.للبلغاريّات بلد يتابع قضيتهن، ورأي عام يتشكّل خلفهن ويتصاعد يوماً بعد يوم، وأهل سمح لهم أخيراً بزيارتهن، وليس لأشرف الحجوج الفلسطيني غير الله، فلا توجد جهة فلسطينيّة توكّل له المحامين، وتتابع قضيته، وتطمئن علي معاملته كبشر، وتدعمه معنويّا وماديّاً واعلاميّاً لتبقي قضيّته حيّة إلي أن يفرج عنه. الطبيب الفلسطيني، والممرضات البلغاريّات، هم ضحايا، رهائن مستضعفون، ولا يكفي أن يفرج عنهم، ولكن لا بدّ من الاعتذار لهم رسميّاً، والتعويض عليهم ماديّاً بما يكفيهم لدفع تكاليف العلاجات البدنيّة والنفسيّة، التي سيحتاجونها لسنوات، حتّي يتمكنوا من استعادة التوازن النفسي، والرغبة في الحياة، بعد سنوات معاناتهم الجحيميّة في سجون لا رقابة عليها، ولا قوانين تحكمها.لم أشأ نقل فقرات من رسالة دارين الحجوج عن التعذيب، لأن ما ورد في الرسالة مروّع، فقط أشير بدون تفاصيل إلي ما روته عمّا تفعله الكلاب المدرّبة، علي فعل ما لا يخطر علي بال بشرمع الطبيب الفلسطيني الشاب! لو شئت التشهير بالجماهيريّة لنشرت شهادات بعض الفلسطينيين الذين رمتهم اللجان الشعبيّة بعد اتفاق أوسلو علي الحدود الليبيّة المصريّة، ليواجهوا البرد، والجوع، والأمراض، والوحوش، والأفاعي والعقارب، ولينتهي الأمر ببعضهم بأمراض نفسيّة، وبخّاصة من كانوا أطفالاً آنذاك، ومنهم من يتعالج نفسيّاً وعصبيّاً حتي يومنا هذا، ومنهم الشّاب (محمّد) الذي يعمل في مكتبة متواضعة في المنطقة التي أقيم فيها، براتب بالكاد يسّد نفقات علاجه!تري: ألا تضعنا قضيّة أشرف الحجوج أمام واجب وطني، يفترض أن يدفعنا لتشكيل لجنة، أو أكثر، يكون مقرّها بلد أوربي، للدفاع عن أي الفلسطيني فرداً أو جماعة، في حال التعرّض للظلم، بحيث لا يستفرد به، ويعتدي عليه، وتسلب حقوقه، ويبتّز ..علي اعتبار أنه بلا ظهر، فلا (السلطة) ولا التنظيمات الفلسطينيّة تدافع عنه، لأنها محكومة بحساباتها الفئويّة الضيّقة.
الطبيب والممرضات قدّموا استئنافاً قبل أيّام للحكم الصادر سابقاً والذي أدانهم...هذه القضيّة يمكن أن تحّل عن طريق مؤسسة القذّافي الخيريّة بتخريجة إنسانيّة، بما يحفظ ماء الوجه للسلطات الليبيّة، خّاصةً وهي لا تكلّف شيئاً إذا ما قورنت بخسائر الجماهيريّة التي ابتزّت بها وبلغت مئات ملايين الدولارات لتسوية قضيّة (لوكربي) !...
رشاد أبوشاور
21/02/2007